فتح الشرايين!

صحيفة الدستور، 30-07-2003

ليست افضل ما في نبأ تدفق الغاز المصري الى الاردن، ومن ثم الى سوريا ولبنان، تلك الارقام المهمة المحددة لحجم المكاسب الاقتصادية التي ستحققها دول المشرق العربي من مجرد تطبيق مجال واحد من مجالات التكامل العربي.

حتى ولو أن التجربة اثبتت ان هذا التكامل المطلوب هو في آن: اساس البداية الصحيحة لأية حالة اتحادية عربية، ان لم يكن بالصيغة القومية الوحدوية المعروفة، فعلى الاقل بصيغة اتحادية على النمط الاوروبي. وإن لم يكن تحقيقاً لتطلعات الحس القومي الواحد، فحقيقاً لمتطلبات مصلحة لم يعد ممكناً تحقيقها في اطار دول صغيرة، في عصر سمته انه عصر التكتلات الكبرى.

ليست افضل ما في هذا النبأ ايضاً، انه جاء يحمل بعض العزاء للمريض الذي سدت جميع شرايينه، وتعطلت دورة دمه فاذا هو يتحرق لدفعة هواء او صدمة كهربائية تفتح ولو شرياناً واحداً يحول دون الموت، في انتظار عملية قلب مفتوح، او معالجة جميع الشرايين لتعود الحياة الى جسد امة مستلقٍ تحت اقدام العجز وبساطير الذل.

ليس افضل ما في هذا النبأ، انه رسالة موجهة الى من سيحكم العراق لاحقاً، وبعض من تغويهم نزعات التنكر للتواصل القومي، والانكفاء اما الى قوقعة قطرية، وإما الى قفزة تجاوز نحو آخر عدو وطامع.

ان افضل ما في نبأ الأمس، هو ان مصر قد حاولت ان تبيع غازها لاسرائيل، وبالفعل عقدت اتفاقيات وعقوداً، لكنها تعثرت ولم تنفذ. فاذا النهر يعرف مجراه، واذا الدرس بليغ وبسيط: حتى مصر، التي كانت اول من اراد الخروج عن جلده، عن صفه العربي، في محاولة مد جسور مع العدو، عادت لتجد ان مجراها لا يسلك الا باتجاه بلاد الشام، لكأن التاريخ لم يسجل عبثاً ان جميع الانجازات التحريرية الكبرى في التاريخ الاسلامي لم تتحقق الا باتحاد الشام والعراق ومصر.

درس يوجهه الواقع والتاريخ، واقتران الجغرافيا بالانسان، الى مصر والى الاردن ولبنان وسوريا والعراق، الى القيادات بالدرجة الاولى والثانية والثالثة وبعدها الى الشعوب التي يعيش معظم افرادها توق التوحد… لكنه توق بات يتأثر – ولا بد من الاعتراف بذلك – بالروح الكيانية التي تعززها الاحباطات والهزائم المتتالية. وفق قاعدة ازلية هي ان حالات النهوض توحد وتصهر وتمحو التفسخات، وحالات الهبوط تبعتها ومعها كل ما هو سلبي سواء على الصعيد القيمي التنظيري ام الحياتي التطبيقي.

لسنا كاوروبا، متعددي اللغات والثقافات، ومع ذلك لم تستطع سياساتنا ان تصل الى ما وصلته هي من انشاء كيان قادر على الثبات في خضم القوى الدولية. فهل سيستطيع اقتصاديونا ان يحققوا ما لم يحققه الساسة؟

ألم يقل بسمارك ان سكك الحديد هي التي وحدت المانيا لا هو؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون