امـــل!

صحيفة الدستور، 29-07-2003

يهدأ، يصمت.. فاذا به يتربص ليقفز الى واجهة الانباء من جديد.

ان قال، قال ما يجب قوله، والا فلا..

هذا الرجل المضيء، ليس نبيا ولا معصوما، لكنه، بلا جدال، قائد وبطل.

لم تكن قد مضت على احتلال العراق الا ايام، عندما جاء يفتتح المؤتمر القومي والاسلامي في بيروت، وركز خطابه على محورين اساسيين: ربط كل ما يحدث بالصهيونية وفلسطين، والدعوة الى مقاومة عراقية.

لم ينتظر حسن نصرالله – على خلاف سواه من المراجع الشيعية – ان تستوي التوازنات ليرى ما اذا كانت حصة الطائفة تغري بالسكوت عن الاحتلال، بل وايجاد التبريرات والفتاوى التي تسوق عدم مقاومته.

فكان بذلك وفيا لخصوصية قائد التحرير، فتاريخ مناضل شاءت الصدفة او شاء الله ان يستشهد ابنه ويسلم هو رغم مساهماته الميدانية، ووفيا لواجب الفقيه في التنوير والانتصار للحق ومقاومة الباطل بدون تحفظات.

كثيرون منا رأوا ان على حزب الله، خاصة عبر تلفزيون المنار ان يكون اكبر من احقاد طائفية على نظام صدام حسين، واقدر على التحرر من التبعية الايرانية وان يرتفع كما فعل مع التحرير الى فضاء الامة والوطن الكبير مغلبا مصلحتهما وحريتهما وواجب التصدي لاعداء الحاضر والمستقبل.

لكن المدقق لا يملك الا وان يقف عند خطاب حسن نصرالله نفسه، ليشهد ان فيه ذاك البعد، وان الرجل الذي لم يتردد ومرارا في الاحالة الى النموذج النضالي الفيتنامي يحمل في اعماقه وفاء لقناعات مناضل حقيقي جعله يوجه منذ البداية النداء الى مقاومة عربية اسلامية في العراق ويعتبر حركته امتدادا لها او العكس، في وعي قومي واقعي عبر عنه ببساطة: »اذا ما اشتعلت الحرب في لبنان، فالمقصود فلسطين، اذا ما احتل العراق فالمقصود فلسطين، واذا ما اشتدت الضغوط على سوريا فالمقصود فلسطين«.

وفلسطين هنا ليست الرقعة – الارض فقط – وانما هي القضية التي تجعلها الرهان الدموي الوجودي الحضاري على »من الفرات الى النيل«.

رهان تكمن اول منزلقات خسارتنا له في تفكيكه، وعزل كل بؤرة كيانية فيه عن الاخرى. ثم في تفكيك كل جزء الى كتل طائفية وعرقية لتقوم عملية التدمير الذاتي الداخلي بما لا تستطيع جميع القوى الخارجية، مهما تجبرت القيام به.

بالامس، خرج الينا حسن نصر الله من جديد محركا قضية الاسرى، في مبادرة لا يقتصر هدفها على التذكير بالاسرى اللبنانيين في سجون الاحتلال، وانما تتعدى الى رسالة دعم للاطراف التي يتوقع ان يظلم اسراها، دعم لا يتكىء على مجرد الكلام والتهويل، بل على ثروة مودعة في صندوق حزب الله، تصلح اساسا استثنائيا لعمليات المساومة، حيث ما يزال الرجل الثاني في الاستخبارات الاسرائيلية اسيرا لدى الحزب، ومعه عدد اخر من العسكريين.. عدد هدد الامين، الامين حقا، برفعه ان لم يصغ العدو المتغطرس حتى الصمم.

مبادرة لم تأت نغما استعراضيا او عزفا منفردا، وانما نغمة اساسية في معزوفة واحدة متناغمة، تنتشر من لبنان الى فلسطين ولا تهمل سوريا. فهل لنا ان نأمل بأن ينضم اليها عازفون عراقيون؟

هل يمكن ان نأمل في ان يكون مقتدى الصدر فعلا في طريقه الى ذلك؟

او ان نأمل بسيد اخر ينبثق من جنوب العراق ليغسل بانتمائه الى ارض العراق قبل كل شيء الى امته العربية بعدها، والى خط علي والحسن والحسين، عار التصريحات الغريبة التي صدرت عن بعض المراجع التي ضرب على عيونها الحقد وعطش المكسب الطائفي الصغير فاصابها بعمى قبول الاحتلال؟

ارهاصات كثيرة تجيبنا بنعم، وان لم نكن نتمنى بأي شكل ان تصبغ المقاومة العراقية بألوان الطوائف والاعراق.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون