كفارة الدم!…

صحيفة الدستور، 23-07-2003

ليسا قتيلين..

فقد اراد لهما القدر ان يغسلا ذنوبهما بدمائهما. واراد لموتهما ان يكون طاقة شحن للمقاومة العراقية، واداة تحريض ضد المحتل.

فالمقاومة البطولية التي ابداها عدي وقصي صدام حسين، والهمجية التي ادار بها الاميركيون الهجوم، اضافة الى وجود الطفل مصطفى، واضافة اخيرا الى القمع الذي واجهوا به مظاهرة الاحتجاج السلمية اثر الحادث، وقتل مواطن مدني عادي مشارك فيها. كل ذلك اعطى لعملية الموصل بعد الاسطورة في تلك البلاد المجدولة بالاساطير.

ارادت ادارة جورج بوش معركة تنتهي بانتصار، وبأي ثمن، وبأية صياغة، لتغطي بغبارها على قرقعة انهيار شعبيتها ومصداقيتها، فحركت ذلك الكم من الآليات والجند، مئات المدججين، واسراب الاباتشي، ورتل المدرعات، لمحاصرة منزل عادي، وبضمنه ثلاثة رجال وطفل… ورغم ذلك معركة تستمر لست ساعات قبل أن يستشهد المقاومون…

هكذا منحت الفظاظة الامريكية وجنون اليمين المحافظ، الرجلين اللذين كانا حتى الأمس، في عيون العراقيين والعالم مجرد رجلي سلطة متهمين، لقب المقاوم الشهيد، واجبرت الخيال العربي الذي لا يلهبه شيء كالرجولة والكرامة والبطولة الفردية على انزال صورة المجرم ورفع صورة الحسن والحسين….

مبروك على الشابين هذا التطهر المضيء بالدم، ومبروك على روح المقاومة هذا الجهل الاميركي بسيكولوجية الشعوب جهل لا تشعرها غطرسة الفيل بأنها محتاجة لأن تردم هوته لأن القوة تغني عن المعرفة والقيم.

فلو أن الاميركيين القوا القبض على الأخوين وتركاهما لمحاكمة عراقية تنشر ذنوبهما، لكان ذلك مكسباً للاحتلال، وعذراً لادارة بوش هي في عز حاجتها اليه، وخسارة لهما، لمرحلة ابيهما، وللمقاومة البعثية. لكن ما حصل كان باختصار ربحاً للعراق وخسارة للاحتلال.

كفّر الشابان عن ذنوبهما بحق العراق والعراقيين بأن قدما نموذجاً رائعاً للمقاومة، بعد سلسلة المستسلمين، شاحنين في آن، كراهية الناس لاميركا، وقيمة البطولة والتصدي لديهم.

وعادت اميركا، في عيون العالم كله، الى صورة الغانغستر الهمجي الذي لا يقيم وزناً حتى لأبسط قواعد القانون، فيصرح الناطق العسكري بأن قوات بلاده هاجمت منزلاً »يشتبه« في وجود عدي وقصي بداخله. وتأتي الصورة على المنزل محروقاً ومدمراً دماراً مرعباً، مما يسمح لأي متلقٍ ان يتخيل ما تعرض له سكان المنطقة خلال الساعات الست.

فأين دولة القانون التي يتبجح بها الغرب وكيف لها أن تقبل هذا الاعتداء الوحشي لمجرد »الاشتباه«، والقتل لمجرد الاتهام. أية بربرية تكشف حتى عورة تلك القيادات العميلة التي لا تخجل ان تصرح من الأمم المتحدة بأن ما حصل خبر سار.

في حين يؤكد مراسل الجزيرة في تقرير لم يتكرر بثه، على أن أحداً من الناس في الموصل لا يتقبل ما حصل وان مشاعر الاستياء والسخط عالية ومشتعلة حتى عند الذين لم يكونوا يحبون الشهيدين، لكنهم يرفضون قتلهما بأيدٍ اميركية، ويعتبرون أن الهجوم كان اعتداء على مدينتهم.

كما يليه المحلل السياسي ظافر العاني، مؤكداً بجرأة وأصالة وطنية، على أن العراق ليس بلد الخونة والمتعاونين ومذكراً بأن رجلين قدما مرتين وشايتين ادتا الى تسليم مطلوب سياسي: الاول مناضل قائد في ثورة العشرينات الى الانكليز، والثاني نوري السعيد لعبد الكريم قاسم قد اضطرا الى مغادرة العراق الى غير رجعة.

ببساطة، تخيلت للحظة لو كان أبي حياً ورأى ما حدث لعلق بعفوية: والله رجال.. لقد خلّف صدام حسين رجالاً…

يقولها وهو ينهض واقفاً.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون