تراث موسوليني

صحيفة الدستور، 09-07-2003

»سيفيتا فيسشيا«

اسم مهم في تاريخ حركتين مشتبكتين فيما بينهما اشتباكا وديا، ومشتبكتين مع العرب اشتباكا عدائيا دمويا وجوديا: الصهيونية والفاشية.

»سيفيتا فيسشيا« هو اسم المدرسة العسكرية البحرية التي كان يديرها اصحاب القمصان السوداء، في ايطاليا قبل الحرب العالمية الثانية، وفي هذه المدرسة تم عام 1934 وبطلب من جابوتنسكي تدريب فرقة من البيتار، قوامها 162 بحارا لعبوا فيما بعد الدور الاساسي في انشاء القوة البحرية الاسرائيلية.

ولم يكن هذا التعاون الا نتيجة علاقة وثيقة ربطت الفاشية بالصهيونية، سواء عن التقاء ايديولوجي يصفه ميتشل كوهين في كتابه: من الحلم الصهيوني الى الواقع الاسرائيلي، بانه »تشابه تاريخي« واكده جابوتنسكي في عدد من المحاضرات والمقالات التي القاها ونشرها في الولايات المتحدة الاميركية للدفاع عن موسوليني.

كما اكده موسوليني بقوله لديفيد براتو عام 1935: »تحتاج الصهيونية كي تنجح الى دولة يهودية، علم يهودي ولغة يهودية«.

وكان الدوتشي قد استقبل منذ عام 1923 حاييم وايزمن الذي طلب منه الاذن بتسمية يهودي ايطالي مسؤولا عن الاستيطان في فلسطين، ثم عاد فاستقبله للمرة الثانية عام 1926 ومن ثم ناحوم غولدمان عام 1927.

مجرد زيارات؟ لا بل تعاون مستمر وحثيث وقناعة يعبر عنها حاخام روما ساسردوثي لصحيفة غيدو بداريد عام 1927 بالقول انه مقتنع باسس الفاشية لانها ليست الا مبادىء يهودية، وذلك ما تبناه دائما وبحماس فائق الزعيم الايديولوجي للصهيونية في ايطاليا الفونسو باسيفيسي، وجسده بحماس اكبر الزعيم اليميني الصهيوني ابا هايمر في سلسلة مقالات بعنوان: دفاتر فاشي.

ورد موسوليني ذلك، بعدة مظاهر دعم لعل اهمها انه كان اول رئيس دولة عرض فكرة تقسيم فلسطين وانشاء دولة يهودية خالصة فيها وذلك في مقال نشرته صحيفة بوبولو دي ايتاليا عام 1933.

لماذا هذا الاستعراض للتاريخ الان؟

لان التوجهات التي تحملها حكومة برلسكوني لا تبدو بعيدة عن هذا التراث الفاشي المتحالف مع الصهيونية بدءا من تصريحات رئيسها نفسه ضد العرب والمسلمين، وانتقالا الى تصريحاته ضد الالمان، حيث ان هذه الاخيرة لا تصدر عن موقف عنصري ضد حلفاء الامس، بل عن موقف سياسي يجسد الصراع بين اوروبا التائقة للاستقلالية السياسية والاقتصادية والعسكرية عن القاطرة الاميركية، والتي تصبح مواقفها نتيجة ذلك اكثر توازنا فيما يخص القضايا العربية، لانها تصبح بذلك مضطرة الى ايجاد توازن بين عين تنظر الى الاطلسي واخرى تنظر الى المتوسط، ومن ورائه الى آسيا كلها، وبين اوروبا متعلقة بذيل التنورة الاميركية دون تحفظ وملتزمة بالتالي بتحالف كلي مع اسرائيل والصهيونية.

ففي حين تتصدى المانيا وفرنسا لقيادة التيار الاول تحاول ايطاليا ان تكون في مقدمة الثاني وذلك ما يتطلب منها المزايدة على بريطانيا والدانمرك وبولونيا وغيرها.

واذا كانت هذه المعادلة الصدامية قد بدت واضحة خلال تطورات العدوان على العراق، فانها تتواصل ايضا فيما يخص فلسطين، ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة ان يطلق ارييل شارون حملته الاوروبية لعزل الرئيس الفلسطيني بحجة عرقلته لخريطة الطريق، (مما يعني عمليا عرقلته، ومن معه من قوى لعملية الاجهاز الكامل على المقاومة ونزع سلاح الانتفاضة). بحوار مع صحيفتين: الديلي تلغراف البريطانية، وكوريير ديللا سيرا الايطالية والموالية لبرلسكوني.

ليلي ذلك توجه شارون نفسه ومن بعده محمود عباس الى ايطاليا نفسها.

أهو التاريخ يكرر نفسه مع بعض الرتوش: من موسوليني مستقبلا وايزمن وغولدمان الى برلوسكوني مستقبلا شارون؟

ام هو ذلك الارث الفاشي الصهيوني الذي لا يملك الا وان يلتقي بعضه ببعض، لترسيخ الحلم الصهيوني والقضاء على الحلم الفلسطيني المتجسد حاليا في المقاومة، والانتفاضة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون