اولئك »الملطخة ايديهم بالدماء« لن تتحرك اقدامهم نحو بوابات السجون الاسرائيلية.
المناضلون الفلسطينيون، الفدائيون الذين الهبوا خيال الشباب العربي وحسه الحقيقي بالكرامة والحرية منذ اكثر من نصف قرن اصبح اسمهم »الملطخة ايديهم بالدماء«.
اما دراكولا الصهيونية، الذي احتفل بعيد ميلاده الثاني والعشرين بقتل اثنين وعشرين فلسطينيا بريئا فقد اصبح اسمه : »رجل سلام« وفق الوصف الذي اسبغه عليه البيت الابيض بعد ان وصل عقده السابع وفي كل واحدة من مسام جثته الضخمة عشرات العشرينات من الدماء…
ذاك ان اسرائيل بلد سلام بقدر ما هي الولايات المتحدة محررة للعراق، وجيش الاولى جيش دفاع بقدر ما هو جيش الثانية جيش تحرير، ويدا شارون بيضاء بقدر ماهو بيت الرئاسة الاميركية ابيض… في حين ان هؤلاء الفلسطينيين معقدين ارهابيون ملطخة ايديهم بالدماء، ليس فقط من نفذ عمليا وانما ايضا من خطط.
بناء على هذه القاعدة فان لضحايا الاحتلال من فلسطينيين او غيرهم من العرب ان يطالبوا باستخراج عظام ناحوم غولدمان، وبن غوريون وغولدا مئير وايداعها السجن، عبورا من هؤلاء الى جميع المسؤولين الصهاينة الذين لا تقطر من ايديهم دماء الفلسطينيين فقط بل ودماء فلسطين ذاتها، اذ ان الذبيحة الكبرى، الحلقة الاساسية هنا هي الوطن الذي تقطع اوردته وشرايينه، الوطن الذي يعني عمليا اتحادا وجوديا كاملا بين الانسان والارض عبر التاريخ، وهنا وبذا تكون فلسطين للفلسطينيين كما كل بلاد لاهلها، بحكم تحقق شرط التفاعل التاريخي المتواصل، وبذا تتحدد شروط وتعريفات الجريمة، كما يتحدد تاليا فرز المقاوم من المعتدي والارهابي من المناضل المدافع عن حق.
لكن…
كيف يتحقق الكلام – مهما كان حقا – على ارض الواقع، ومفتاح السجن بيد العدو؟
كيف يتحقق التوصيف والقاضي هو الخصم والاميركي متماه مع الصهيوني؟
كيف تتحقق العدالة والميزان الذي لا يكون الا بكفتين قد تحول الى كفة واحدة مقرها واشنطن وما عداها فراغ؟
اسئلة تبدو للوهلة الاولى منطقية ولكن التدقيق يوضح انها مصاغة لتعطي تبريرات لمن يريد التبرير.
فمفتاح السجن لم يكن يوما بيد الام، وهو في كل حالات الاحتلال بيد المحتل.
اما تماهي الاميركي مع الصهيوني فهو صحيح الى حد ما، لكنه صحيح في تركيبة الادارة الاميركية الحالية، وفي وضع اللوبي اليهودي العالمي الان، وفي تلاق للمصالح مرحلي.
دون ان يعني ذلك ان ايا من هذه العناصر غير قابل للتغيير.. ولكن ليس بدون جهد.
اما الميزان العالمي، فان ارهاصات عودة اكثر من كفة – لا كفة واحدة – في مقابل الكفة الاميركية، لم تعد خافية الا على العميان، وان كان الامر سيتطلب وقتا، لن يكون احتلال العراق عاملا في تطويله وانما في تقصيره اذا ما تنامت فعلا حركة المقاومة، ولذا كان من الملح والضروري انهاء النموذج الاخر للمقاومة في فلسطين.
سؤال وحيد يظل منطقيا: ألم يكن الفلسطينيون بحاجة الى هدنة؟
ألم يكونوا بحاجة لان يحنوا رؤوسهم ويبتلعوا مراراتهم الى ان تمر العاصفة ؟
ربما.. ولكن القبول بذلك يظل مشروطا بقبوله على هذا الاساس، وعلى اساس تفادي امرين اساسيين: الاول تفتيت الامكانات المستقبلية للمقاومة بشكل او بآخر.. والثاني عدم السماح بان يكون ذلك غسلا لليدين الاميركيتين والاسرائيليتين »الملطخة بالدماء«.
د.حياة الحويك عطية
إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.