كيف تمحي حدود السجن، وتمحي حدود الادوار بين السجين والسجان بكلمة واحدة اسمها: الصمت؟!
فعندما يكون الثاني بحاجة الى اعتراف او اقرار او معلومة يكفي الاول ان يصمت ليصبح هو السجان، وليجعل الآخر سجين حاجته وفشله. فتنقلب الادوار، واذا السيد الذي يمسك بيده مفتاح الاغلال والسوط، مرة ثورا هائجا معربدا ومرة متوسلا مهدئا يعرض الصفقات والرشوة.
في العراق المحتل، اعتقل الامريكيون ثلاثة وثلاثين من المدرجين على قائمة الخمس والخمسين، واعتقلوا معهم اعدادا كبيرة من المواطنين اطلقوا ليبقى في سجونهم الفان وخمسون رجلا.
وفي العراق، نقلت الانباء ان ثلاثة من هؤلاء قد ماتوا، اثنان تحت الاستجواب والثالث وهو يحاول الهرب »ومحاولة الهرب هذه تبرير معروف -حد الابتذال- لقتل سجين«.
لكن الانباء ومنها ما نشرته الواشنطن بوست نقلا عن احد مسؤولي السي اي ايه، تقول ان التحقيقات مع هؤلاء لم تتوصل حتى الآن الى اي شيء يذكر، خاصة في موضوع اسلحة الدمار الشامل، لان المسؤولين العراقيين المعتقلين في المطار لا يتكلمون الا نادرا، واذا تكلموا رددوا جملة واحدة: »انا لم اكن قريبا من صدام حسين ولا اعرف شيئا«، والطريف هنا تعليقات تضيفها الصحيفة:
الاول: هو القول بأنه »حتى العالمتان رحاب الرشيد وهدى مهدي عماش تتخذان نفس الموقف«.
وكأن هؤلاء الامريكيين يجهلون كل شيء عنا، حد اعتقادهم بأن المرأة العربية اقل صلابة… لكأنهم لم يسمعوا شيئا عن نساء فلسطين وجنوب لبنان.
والتعليق الثاني هو ان هؤلاء المسؤولين انما يلتزمون الصمت خوفا من »الديكتاتور« الذي ما يزال حيا. وفي هذا وقاحة وتعد مجرم على ما في هؤلاء الكبار الصامدين من كرامة ومسؤولية. هم الذين حملوا عقودا قدر شعب وقدر امة.
غير ان الاهم من ذلك كله، ان طوني بلير راح يكرر رجاءه للامريكيين في ان يعرضوا على المعتقلين صفقات مغرية تمنحهم الحرية والعيش المضمون في الخارج لقاء معلومات تعترف بوجود اسحلة الدمار الشامل. لان ذلك هو السبيل الوحيد امامه لمواجهة المأزق الدراماتيكي الذي يجد نفسه فيه متهما بالكذب على الرأي العام والبرلمان البريطاني، ومهددا بنهاية قاطعة لحياته السياسية واذا كان المسؤولون الامريكيون قد رفضوا في البداية هذا الطلب فإن تصريحات دونالد رامسفيلد يوم الخميس الفائت تشي بأنهم سيقبلون به، وليس ذلك استجابة لالحاح بلير فقط، بل لانهم باتوا هم ايضا في المأزق نفسه.
وبات السؤال: من هو المنتصر؟ ومن الذي عنقه في يد من؟
معادلة ازلية صعبة لم تبدأ من العراق ولن تنتهي معه. وهي تترجم عمليا برفع معدل الترغيب والترهيب، وهذا ما تجسده عروض الصفقات من جهة، واستشهاد الثلاثة من جهة اخرى. دون ان ننسى ان ذلك يسير بموازاة تصاعد بوادر المقاومة فإلى اين؟
الى فلسطين ثانية؟ ام الى يهوذا الاسخريوطي؟
ولكن، الم تبدأ المسيحية فعليا في الانتشار بعد تسليم المسيح؟