نشكر اسرائيل على وفائها بالتزاماتها! ولهذه العبارة الواردة على لسان الرئيس الامريكي معنى مضمر واضح، هو مطالبة رئيس الوزراء الفلسطيني بالوفاء بالتزاماته.
وفاء لن يكون له هو، لا ولا للفلسطينيين ان يقرروا شكله ومضمونه، اذ ان العنوان هو نزع سلاح المقاومة الفلسطينية على الارض، وما ثناء الرئيس الامريكي على محمد دحلان، وابداء اعجابه بالوزير الشاب- كما اسماه- الا من باب التصفيق المسبق تشجيعا للاعب ماهر يعول عليه لكسب المباراة.
والكسب ليس طبعا للفريق الفلسطيني او العربي، وانما للفريق الامريكي – الاسرائيلي المشترك. فالاول بحاجة ملحة الى تسجيل انجاز ديبلوماسي على الساحة العربية بعد ان فشل الانتصار العسكري الساحق في العراق عن التحول الى انتصار سياسي، وكل ما فعله انه زرع في الحقل العربي المترامي احساسي لا ثالث لهما: الاحباط المفرخ للخوف والنقمة المولدة للكراهية، واذا كانت النتجية المنطقية للاول هي تهيئة الاجواء نفسيا وعمليا لتقديم التنازلات والاستسلام، فإن النتيجة المنطقية ايضا للثاني، هي ترجمة مشاعر النقمة والكراهية الى اعمال عنف، ايا يكن شكلها وصيغتها. لذلك لا بد للادارة الامريكية من ان تسارع الى استغلال الحالة الاولى لانتزاع مكاسب لاسرائيل، يتصدرها وقف الانتفاضة ومصادرة امكانيات المقاومة. كما تحاول ان تلتف على الحالة الثانية بتقديم منجز وهمي في طريق السلام. توجه من خلاله رسالة ثلاثية الاهداف: الى الرأي العام الامريكي الذي يتهيأ للمعركة الانتخابية القادمة، الى الرأي العام الدولي الذي بات يرى في الولايات المتحدة مجرد امبراطورية عسكرية غاشمة، ليقول له ان القوة الاولى تتحمل مسؤولياتها ازاء السلام العالمي ايضا، والى الرأي العام العربي الذي تعتقد ان من شأن نجاحها في تهدئة مؤقتة على ساحة فلسطين ان يحقق غايتين: امتصاص النقمة والكراهية ازاء واشنطن، وستر عورة الانظمة الموالية لها في المنطقة اما بالنسبة لاسرائيل، فإن المنجز الاعظم الذي يمكن لها ان تحققه، وهو المكافأة التي تنتظرها من حرب الخليج الثالثة، فيتمثل في احتمالين: اما خنق كلي للمقاومة، واما حرب اهلية لا تكتفي بتحويل فوهات البنادق الفلسطينية عن الصدر الاسرائيلي الى صدور الفلسطينيين انفسهم، بل وتفتح بذلك لشارون فرصة تحقيق الحلم الليكودي القاطع، الذي بات قبول بعض العرب والفلسطينيين به، وتهافتهم على التنازل امامه، يحرج القوى العالمية التي ساندت حقنا، بل ويحرج المعتدلين من اليهود انفسهم.
غير ان مجرد النظر الى التاريخ القديم والقريب القريب، يقول لنا ان الخطورة لا تكمن ابدا في هذه الاتفاقات والمناورات، فلقد شهدت القضية الفلسطينية منها الكثير الكثير منذ نصف قرن ونيف، دون ان يغير ذلك في الواقع شيئا، والارض التي تشهد انتفاضة اليوم هي هي التي شهدت ثورة 1936 وما بينهما، وهؤلاء الذين يمضون في مقاومتهم حتى الشهادة او حتى العذاب اليومي هم استمرار سلالة تمتد من عز الدين القسام وسعيد العاص الى سعد صايل وخليل الوزير وابو علي مصطفى الى الذين استشهدوا على حاجز اريتز قبل يومين ويشكل سيلها الجارف من عشرات الآف الخلايا الحية من مناضلين وشهداء.
اذن، فالخطورة الكبرى لا تكمن في هذه الاتفاقات والالتزامات والتنازلات، على ما تشكله هذه كلها من اعباء وقيود اضافية جديدة سيحتاح التخلص منها الى المزيد المزيد. من العرق والدم والمعاناة.
بل ان قمة الخطر تتمثل في احتمال نشوب حرب اهلية فلسطينية، لن يكون بامكان الادارة الامريكية المهودة ان تقدم لاسرائيل هدية تاريخية اثمن منها، وعلى طبق من دم فلسطيني يحمله فلسطيني.