روح وأدوات

صحيفة الدستور، 13-05-2003

ثمة تطور لا بد من التوقف عنده في عقلية جزء من الشباب العرب الذين يحتل بعضهم مواقع مسؤولية، والذين يمثلون حالة التبعية للغرب، والغرب الاميركي تحديدا.

فقبل اعوام كنا نقابل الكثيرين من المتحفزين للوصول، الذين يستعدون لتبني المواقف التي يعرفون انها تشكل لهم جواز سفر ناجح ومقبول، وعليه يعرفون كيف يؤدون الخطاب المترجم لجواز السفر هذا.

ولذلك كان هؤلاء يتأرجحون احيانا فاذا سيكولوجية المتهم تدفعهم احيانا للاستشراس في القمع، واحيانا اخرى للارتداد ومحاولة العودة الى صفوف الخصم، الذي يعرفون في اعماقهم انه على حق ويكنون له الاحترام حتى وان حقدوا عليه، وكان هذا الارتداد يتجلى بصورة واضحة عندما يبتعد واحدهم او يبعد عن مواقع النفوذ، لانه يخلص بذلك من متطلبات او مفروضات الموقع.

اما اليوم، فان الظاهرة الاخطر تتمثل في جيل من الذين تربوا في حضن الغرب وعقليته، بحيث تحولت مفاهيمه وآلية تفكيره، وقيمه وطروحاته، الى مكونات حقيقية لشخصيتهم، يؤمنون بها، ويدافعون عنها ويعتبرون فرضها على الاخرين مسألة تحضير وتحديث له. وفي ذات الوقت ينظرون الى من يخالفها باحتقار وعداء حقيقيين، ليصمونه مرة بالتخلف ومرة بالانقراض ومرة بالتحجر الى ما هنالك.

وما يزيد الامر تفاقما ان افراد هذه الشريحة هم الذين اكتسبوا، ومن هذا الغرب، ايجابية كبيرة، هي امتلاك الادوات التقنية والمهنية العصرية، التي تجعلهم اكثر فعالية، وقدرة على النجاح الفردي.

من مثل امتلاك اللغات، اتقان ابداعات الثورة التقنية، معرفة الاسس المهنية الدقيقة والعلمية الخاصة بكل مهنة، التعامل اللطيف واللائق والعملي، والمظهر المهني الجذاب، والاهم اتقان خطاب عصري متقشف ومقنع وعلمي المظهر.

ادوات لا يمكن لعاقل الا يطالب بامتلاكها، والا يعمل جهده كي تتمتع بها جميع اجيالنا، كي لا نبقى متخلفين عن ركب العصر.

لكن الخطورة تكمن في: كيفية استعمال هذه الادوات وتوظيفها، وذاك ما تحدده العقلية التي تسير ذلك فاذا ما كانت عقلية مغربة مقطوعة الجذور كما اسلفنا، جاء توظيفها لتلك الادوات ليصب في صالح السيد المتبوع، وليتناقض في الغالب مع مصالح البلاد والناس. وحتى اذا لم يتناقض كليا، فانه يشكل بحياديته اللامبالية غطاءا ممتازا تمرر من تحته جميع المخططات الاستعمارية التي لا يمكن لهؤلاء ان يتبينوا خطورتها او خطأها.

غير ان المشكلة الكبرى، هي في كون الخطاب المقابل، الموقف المقابل لا يتمنطق بتلك الاسلحة الفعالة اي بتلك الادوات التي لا نجاح بدونها.

المطلوب، وعي ملتزم ومتجذر، موقف صلب ومبدئي، ولكن بأدوات تجسد روح العصر، وتستفيد من المنجز الانساني كله.

كي لا يبقى البعض مقطوع الجذور والبعض الاخر مقطوع اليدين والقدمين.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون