»ما بعد الحرب، ما بعد صدام حسين« هكذا تعنون الفضائيات العربية المرحلة الحالية في العراق، بدلا من القول: »مرحلة الاحتلال، الاحتلال الاميركي للعراق«.
وفي السياق ذاته، تتكرر على مسامعنا – خاصة خلال الايام الاخيرة عبارة »تقسيم العراق« وكأنها مجرد اجراء اداري بسيط مثله مثل تقسيم مدينة الى دوائر انتخابية على سبيل المثال.
غيض من فيض يزخر به هذا الاعلام، الذي نسميه خطأ: »اعلام عربي« لانه في واقع الامر »اعلام اميركي ناطق باللغة العربية« وفي ذلك مكمن خطره الكبير، فلو اتى ما يسوقه بالانكليزية لما وصل الى الجمهور العريض من الناس، ولو اتى ذلك من محطة اميركية بالعربية لما اصغى اليه الناس ولما صدقوه او على الاقل لتعاملوا معه بحذر كبير.
اما ان يأتي من محطات تسمي نفسها عربية، ومنها ما منح مصداقية اكبر عبر مقومات عديدة منها هامش كبير من الحرية لم يعتده المتلقي العربي، ومنها اكثر من سبق اعلامي تجاوز ما تحققه وسائل الاعلام الغربية، ومنها وقوفه، ولو نسبيا الى جانب بعد القضايا العربية والاسلامية التي تدغدغ شعور المتلقي العربي ومنها اخيرا تعرض بعض مراسليه او مراكزه لاعتداء اسرائيلي او اميركي.
قطعا، الذين تعرضوا للاذى الذي وصل الشهادة، كانوا مخلصين في دورهم، لكن الخطة التي برمجت وسيرت الامور كانت اكبر منهم ولا علاقة لهم بها.
وعليه اصبح الدور الذي تؤديه معظم الفضائيات العربية، دور الذراع الفاعلة في الحرب النفسية الاميركية.
واذا ما عدنا الى النموذجين المحددين بالعبارتين المذكورتين اللتين تبدوان بسيطتين فإن الاولى، بالغائها مصطلح الاحتلال انما تكرسه وتشرعه وتمتص شحن المقاومة له، على الاصعدة: العراقي، العربي، والدولي.
وتحت هذا الغطاء يمكن تمرير جميع البنود الاخرى في المخطط الاميركي – الصهيوني وكأنها تطورات طبيعية وتنفيذ لارادة ما يركز عليه مصطلح آخر تمويهي هو »الشعب العراقي«.
فان الخطورة اكبر من مجرد تصوير الامر وكأنه ببساطة مجرد تغيير نظام، اذ تتجاوز الى تصوير حصول هذا التغيير بارادة وادوات الشعب العراقي.
اجل كان معظم العراقيين يريدون التغيير ولكن ذلك لا يعني انهم يريدونه هكذا ويقبلون الاحتلال وكل ما يستبطنه من مصادرة السيادة والكرامة والثروات والمستقبل.
وهكذا يأتي تسويق الحمل الوهمي المسموم وكأنه هو الحمل الحقيقي الذي اراده الابوان في حين ان هذا الاخير مستحيل ان لم يسقط الوهم.
بالنسبة للعبارة الثانية: »تقسيم العراق«. انها البند التالي للاحتلال على الخطة الاميركية، وها نحن نتعود تدريجيا على تقبل مصطلح يتحول الى واقع، لم يكن لنا ان نتخيله حتى في الحلم.
بداية، يبدو الامر وكأنه مجرد اجراء عسكري ثم اداري، ثم يتكرس على الارض، وليس بالضرورة ان يؤدي التقسيم الى اقامة دويلات جديدة، فالغاء دول واعلان اخرى هو خط احمر في منطقة الشرق الاوسط. غير ان التقسيم الفعلي الواقعي على الارض وفي النفوس، المترجم من ثم اداريا واقتصاديا وثقافيا هو المطلوب، بل انه مطلوب اكثر من التقسيم المنجز دولا. لان هذا الاخير يؤدي الى حالة من الاستقرار ولو مع الاضعاف، كما هو الحال في دول سايكس بيكو، في حين ان الاول يقيم حالة من البلبلة والنزف المستمر، كما هو الحال في السودان منذ عقود، وكما حصل في لبنان، وسيحصل غدا اذا ما انسحبت سوريا منه. وكما هو مرشح للحصول في السعودية ومصر وغيرهما.