لماذا لم تستجب تركيا للاغراءات الاميركية من مال ونفوذ بل وتحقق اطماعا قديمة في نفط العراق؟
لماذا وقفت حذرة امام وعود من الصعب الا ترضخ لها اية دولة؟
الان برلمانها يدرك وببساطة، ان اهمال الجيوبوليتيكا هو تجاهل لمنطق الاشياء وخسارة كبيرة على المدى البعيد مهما بلغت المكاسب الحالية، اذ لا يمكن لهذه الاخيرة ان تعوض مفروضات ابعاد جغرافية ثلاث : الاول يتمثل في حلم الاوربة لبلد يقع نصفه في القارة الشقراء، ويقف منتظرا بفارغ الصبر عند با بها، والثاني يتمثل في البعد العربي نفسه بشقه العراقي من جهة وشقه السوري من جهة اخرى، مع ما يموج على الحدودين وفي داخلهما من مخاطر اتنية مهددة، ابرزها الخطر الكردي المشتعل، ولكنه ليس الوحيد. اذ يكفي ان يصار الى اعتماد التقسيمات الاتنية او الدينية لقيام الدول الجديدة حتى تتنبه في تركيا كما في سائر دول المنطقة المكونات الفسيفسائية لجزء من العالم جعل منه قدمه وتاريخه الالفي نموذجا لتنوع في الوحدة هو الاساس الصحيح لتكون اية امة.، لكنه ايضا تنوع يصلح اذا ما اسيء توظيفه الى التحول الى قنبلة عنقودية لها اول ولكن ليس لها اخر، فيما اصطلح على تسميته بلبننة المنطقة، كما جعلت الموروثات الاستعمارية في كل من دوله مشاكل من نار لن يستطيع الرماد مهما تكثف ان يطفئها، فاذا كان ارث الرجل المريض قد تعرض لحالة من التجزئة المجرمة التي حولت الامة التي كانت واحدة تحت الاستعمار العثماني، اجزاء ممزقة تسمي انفسها دولا في عهد ما يسمى بالاستقلال، وفي خضم ذلك لم توفر اقتطاع اجزاء غالية من تلك الامة لتمنحها لدول مجاورة. وهكذا يبرز سؤال: هل يمكن لحالة التشظي الاتني والقومي الا تنبه عرب الاسكندرون وكيليكيا – ولو على مدى بعيد – الى انه مقتطعون من وطن ام، وليسوا اتراكا، هذا اضافة الى الاكراد والى تربص الارمن المنتظرين لحظة الحساب والتعويض…. كما لا يمكن للمكاسب المغرية ايضا ان تنسي اليقظين خطر التداعيات التي قد تنشأ عن الحرب الاميركية على العراق، تداعيات لن توفر بلدا يموج فيه مد اسلامه فيما لايهدد فقط وضعه الداخلي بل وحلمه الاوروبي ايضا.
فيض من غيض لا تقف امام مخاطره تركيا وحدها بل كل دولة في المنطقة، ولا تستفيد منه الا اسرائيل التي لن تكون دولتها الدينية الاحادية العنصرية، عندئذ، كيانا شاذا عن منطق الحضارة والانسانية والعصر، بل واحدا من كيانات متشابهة في الشرق الاوسط كله.
مخاطر تخشاها اوروبا ايضا لانها تقع على حدودها، وذلك ما عبر عنه بوضوح العديد من سياسييها، في ادراك آخر للجيوبوليتيكا، وللتاريخ.
اوروبا التي تكتب تاريخها الحديث بحروف متناقضة تماما الحروف السوداء في تاريخها الحديث، لتكنس اثار حربين عالميتين، وذكريات الاحتلالات والدمار والاحقاد، كما تفك رباط التبعية المذلة للولايات المتحدة الاميركية، بعد ان حررها من الحاجة اليه سقوط جدار برلين، وتقف ولاول مرة على الساحة الدولية ندا عنيدا لاميركا، معلنة بذلك بداية نهاية عالم القطب الواحد، وعودة عالم متعدد الاقطاب ترمي فيه القارة العجوز عكازها، وتستل حكمتها وخبرتها وتاريخها لتتولى مصالحها بنفسها وتثبت اقدامها على خارطة العالم بقيادة حفيدي هتلر وشارل ديغول، لكان شعار فرنسا الحرة قد انتقل الان الى اوروبا الحرة.
ومثلها روسيا التي تبدو وكأنها تسير نحو توقعات كونداليزا رايس بان موسكو ستستعيد مكانتها الدولية خلال خمسين عاما.
كلهم يدرك اثر الروابط الجغرافية والتاريخية والتلازم الحتمي بينها وبين المصالح الا العرب… العرب الذين بدوا في شرم الشيخ – لولا بشار الاسد – وكأنهم لا يخذلون العراق او شعوبهم، بل ويخذلون الرئيس باباندريو الذي وقف على يسارهم، يكاد يتوسلهم ان يقفوا عن كراسي المقعدين، حتى اذا لم يستطيعوا افرغوا غيظهم من عجزهم واحدهم بالاخر.
قبل ايام كان باباندريو يتفاخر في حوار صحافي بان لاوربا، ولبلاده خاصة اسبقية تاريخية في العلاقة مع العرب.لكنه ولا شك قد نام ليلة السبت محبطا لانه وجد ان العرب الذين التقاهم في شرم الشيخ هم غير العرب الذين عرفهم اجداده، عرب غير اولئك الذين حملوا الابجدية الاولى الى اليونان، وغير الذين حملوا الحضارة الاسلامية الى الاندلس، عرب ليس فيهم لا قدموس ولا طارق بن زياد. لكن بينهم اكثر من ابي عبدالله الصغير.