مؤاب والانتقام التاريخي!…

صحيفة الدستور، 04-04-2003

ليست مؤاب اسما توراتيا، كما علق الجميع عندما اعلن ان هذه التسمية قد اطلقت على القنبلة الاكثر خطرا في الترسانة العسكرية الاميركية التي تحمل ايضا اسم >ام القنابل<.

وليست مؤاب هي >المنطقة التي انزل فيها الله وعده لليهود< كما قالت قناة الجزيرة، في الخبر الذي اذيع لمرة واحدة، علما بانه كان يستحق ان يشكل مضمون حملة اعلامية، لما يحمل من دلالات خطرة وجوهرية بالنسبة للعدوان الدائر ضد العراق.

مؤاب، هو اسم قديم لمملكة قامت في >قاطع الاردن، يلي البلقاء< كما يصفها ياقوت الحموي، كانت مأهولة منذ 2300 عام ق. م، طمح اليهود في السيطرة عليها عندما جاؤوا المنطقة غازين، ففشلوا اولا ثم عادوا فنجحوا، ليحررها ملكها عجلون، ويعود عمرى ملك اسرائيل فيحتلها الى ان يحررها ملكها ميشع من اولاد عمرى عام 835 ق. م، في حرب ضارية، يعمد الى تسجيل وقائعها، على مسلة غرانيتية، عثر عليها في >ذيبان< عاصمة مؤاب، عام 1867م، واشتراها القنصل الفرنسي في القدس آنذاك، ونقلها الى متحف اللوفر.

وثيقة هامة يبدأها ميشع بتقديم نفسه بفخر قائلا: >انا ميشع ملك مؤاب الذيباني ابي ملك على مؤاب ثلاثين سنة وانا ملكت بعد ابي، وانشأت اهراما هن اولاء، لكموش (كموش هو إله مؤاب)، بقرحى، ولقد بنيت ذلك بسرور، لان كموش اعانني على قهر كل الملوك ولانه اشمتني بأعدائي المبغضين.

اما عمرى ملك اسرائيل، فقد اضطهد مؤاب طويلا، وخلف عمرى ابنه اخاب فقال هو الاخر: سأضطهد مؤاب. اجل، لكن كموش اعانني وجعلني أراه مهزوما امامي، هو وإلهه، وبادت اسرائيل، بادت الى الابد<.

ويستمر الملك، في النص الطويل الذي تحمله المسلة، في سرد انجازاته المدنية، من حفر الآبار والبرك وبناء المدن والقرى، وتنشيط الزراعة.. في المناطق التي كانت تحت سيطرته قبل الحرب.. ثم ينتقل الى وصف تحريره للمدن المحتلة من قبل اخاب: من مادبا الى معين الى عليان الى قرحى >الكرك حاليا< الى ذيبان، الخ..

ليصل الى القول: >حكمت على مئتي مدينة اضفتها الى المملكة<.

وينتقل الى تعداد الانجازات الكبيرة التي تحققت في مملكته بعد التحرير، مما يوحي بوضوح، ان حالة امن وعمران وتطور مشرقة قد سادتها.

هذا هو الثأر القديم الذي تشكله مؤاب لاسرائيل، فميشع معادل اصغر، لنبوخذ نصر، ومؤاب لبابل. ولعل هذه المسلة هي النص الاوضح المدون لهزيمة اسرائيل القديمة، بما يحمله من عبارات تشكل كل منها معينا لحقد تاريخي:

>اخذت مواقد يهوه ووضعتها بين يدي كموش<

>قطعت الاخشاب لقرحى بأيدي الاسرى الاسرائيليين<

>بادت اسرائيل، بادت الى الابد<

الخ..

حقد لن ينفع في تخفيفه القول بان ميشع لم يكن في ذلك غازيا بل محرر من احتلال.. ولن ينفع فيه تقادم الزمن، وها هو يتجسد في اطلاق اسم مؤاب على هذه القنبلة التي يقولون انها تساوي قنبلة نووية صغيرة.

لكن السؤال: من الذي اطلقه؟

وهل تماهى السلاح الاميركي والحقد اليهودي الى هذا الحد؟

الا يحمل ذلك دلالة ان الحرب ضد العراق هي تحطيم لامكانية ان تفعل قيادته ما فعله ميشع؟

ليس ما فعله ميشع من تحرير فحسب، بل وحتى تحطيم لمشروع البناء والتمكن الذي يمكن ان يؤدي الى التحرير.

والاهم: ان هذه الحرب، ليست الا معركة، معركة هي الاهم قطعا في الحرب الصهيونية على هذه الامة.

الحرب الصهيونية التي سخّرت القدرات الاميركية، لتحقيق اهدافها.. تحقيقا لا يعود الفضل فيه لهذه القدرات بقدر ما يعود الى التخاذل والتآمر العربيين، واللذين ينعكسان في وسائل الاعلام التي تغفل التركيز على صهيونية المعركة، كما تحجم عن التركيز على قوميتها، وتتناولها كحدث منفصل خاص بالعراق. مما اقتضى في جوانب تفصيلية مثلا، اغفال التركيز على معنى اطلاق اسم مؤاب على قنبلة >ام القنابل< واغفال التركيز على ان ريتشاد بيرل واثنين من مساعديه كانا يشكلان لجنة اسمها لجنة العراق تابعة لحكومة نتنياهو عام 1996.

انها حرب اليهود والصهيونية واسرائيل على الامة كلها.. حاضرها ومستقبلها و.. تاريخها.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون