لاننا لا نستحقها، فقد كان لغيرنا ان يدافع عنها.
لاننا ورثة لحضارة لم يرث القائمون عليها الان قامة الذين بنوها، فقد كان لمن انتمى اليها بحكم انتمائه الى الحضارة الانسانية ان يتنبه الى خطر التعرض لها.
وكان وزير الثقافة الروسي، وليس اي واحد من اصحاب المعالي العرب من عاربة ومستعربة هو الذي استدعى السفير الاميركي ليحتج على قصف اور، وعلى التعرض للمساجد الاثرية والنصب الحضارية.
عار واي عار!
ولكن هل يعرف هؤلاء الذين لا يعرفون من مسؤولية الثقافة اكثر من قص الاشرطة امام شاشات التلفزيون، واصدار المطبوعات التي يتصدر شروطها ان تحمل اسم وزارتهم واشارة الى عهدهم، واقامة المهرجانات التي يكون اهم ما فيها ان تقام تحت رعايتهم او تحت رعاية من يعينونهم، اما لروابط القربى وهي من شيم العرب، واما ضمانا للمستقبل، وهذا من شيم اهل الحكمة، هل يعرف هؤلاء ما تعنيه اور او بابل او الوركاء او كربلاء او.. او..؟
بل وثمة اسئلة اخرى تضرب جدران القلب بخجل: اولا تزعج عراقة العراق هذه الكثيرين ممن يريدون ان يقنعوا الناس بأن كرومر الالماني كان على خطأ عندما قال: »كل شيء بدأ في سومر«. خاصة وان كل زعيم عربي يريد ان يبدأ التاريخ به؟
وليلتقوا بذلك مع لقطاء الحضارة الذين يعيشون عقدة كل حديثي النعمة ازاء اهل العراقة، وكل اللقطاء ازاء ابناء الاصول.
فكيف ستفهم امة، هرعت في زيارة لي لاحد متاحفها الى قسم اسمه »قسم التراث« لاجد ان اقدم ما فيه عمره اقل من مئتي سنة، كيف ستفهم قيمة هذا البعد الحضاري الممتد سبعة الاف سنة، حتى بمنطق كونه جزءا من الحضارة الانسانية، اذ ان قبولها بهذا المنطق سيجعلها تقف متسولة باحثة عن مقعد. في حين انها بالمنطق الاخر الذي يلغي التاريخ والحضارة الالفية تجد بالحديد والنار بالتكنولوجيا والشركات المتعددة الجنسيات وماكدونالدز والبلاي بوي مكانها المستعلي على كل الامم.
وفي الطرف الاخر والاهم تقف الصهيونية التي تدير مع هذه الامة ومع العراق تحديدا حربا هي في الاساس حرب حضارتين لا بد لاحداهما ان تدمر الاخرى لتستمر وهذا ما قاله بيغن بالحرف بعد كامب ديفيد: »حتى لو حصل السلم السياسي فان الحرب بين الحضارتين ستستمر الى ان تنتصر احداهما على الاخرى«.
فكيف الحال والسلم لم يحصل بعد، والحرب هي الفرصة الذهبية اللائحة لتدمير كل شيء؟
وكيف اذا التقى الحقدان الاميركي واليهودي ضد هذه الحضارة الجاثمة عنيدة ما بين النهرين؟
عندما يكون البنتاغون من شعره حتى اخمص قدميه صهيونيا، ويكون البيت الابيض خاضعا بكليته للصهاينة واخر ضيف عليه، ابراهامس الذي عين في مجلس الامن القومي ووصف بأنه خبير في شؤون الشرق الاوسط ويقف على يمين شارون؟
في العام 1991 تعرضت اور نفسها للغزو والتدمير والسرقة وعندما قدمت لجنة الحفاظ على التراث الانساني في اليونسكو طلبا لتشكيل لجنة تحقيق في الموضوع علقت الولايات المتحدة دفع مساهماتها في المنظمة الدولية الى ان حلت اللجنة المذكورة وتوقف التحقيق.
لهم حقدهم، ولنا تقاعسنا، ولوزير غريب، ينتمي الى بلد يعرف معنى الحضارة الانسانية ان ينوب عن جميع وزراء الثقافة العرب.