هل كانت مارغريت اتوود، الكاتبة الكندية الكبيرة متنبئة، وهي تعطي لروايتها الصادرة عام 0002 هذا العنوان الغريب: >القاتل الاعمى<؟
هل كان حصول هذه الرواية على جائزة >بوكر< للاداب الصادرة بالانكليزية في العام نفسه، تأكيدا لهذا الحدس الغريب؟
قد يكون الامر كذلك وقد يكون مجرد مصادفة، لكن هذه الكاتبة الكبيرة هي التي كتبت قبل يومين في الديلي تلغراف مقالا طويلا موجها الى الرئيس الاميركي، تذكره فيه بمصير نابوليون في روسيا.
اتوود معجبة بالمقدمة الموسيقية لتشايكوفسكي، المعروفة بالمقدمة 1812، و1812 هو عام غزو وانسحاب نابوليون من موسكو.
هذا ما تقوله في مقالها حيث تصف المقدمة بقولها: >المدافع تقصف، الاجراس تدق، الاناشيد الوطنية تترجع، واخيرا يأتي ذلك الصمت الجنائزي<.
اي ضجيج، واي صمت؟
ضجيج الحرب وصمت النهاية، الانسحاب الذي شكل بداية النهاية للامبراطورية الفرنسية.
نابوليون، تقول اتوود، ادعى ايضا انه يشن حربه لتحقيق اهداف ومبادىء نبيلة، وهذا ما كانت تسوق له اوساط المستشارين السياسيين والاعلاميين المحيطين به.
ونابوليون، قام لاجل ذلك بخلع ملوك بالقوة وتعيين بدائل تابعين له مكانهم.
لكن نابوليون ارتكب، بنظر الكاتبة خطئين كبيرين: الاول انه حارب الاسبان لاجل قناعاتهم ومسلكهم الديني، والثاني انه ذهب الى موسكو. واذا كانت الكاتبة الكبيرة تؤشر بالخطأ الاول الى حرب افغانستان، فانها في تناولها للثاني، تقارن بوضوح مباشر بين ثلوج موسكو، ورمال الصحراء العربية العراقية، مشيرة ان نابوليون استسهل اجتياح روسيا، عندما كانت جيوشها تنسحب من امامه، الى ان وصل موسكو وجلس فيها منتظرا ان يأتي القيصر طالبا الاستسلام.. لكن القيصر لم يأتِ، وجاء الثلج..
كذلك فان الاميركيين قد يصلون بغداد، حيث ينتظرون الاستسلام الى ان يأتي الحر..
الجنرال صحراء ام الجنرال حر؟ حدس المبدع لدى مارغريت اتوود ام مجرد مقارنة روائية؟
بل ثمة شيء ثابت في تاريخ جميع الامبراطوريات، ان هناك دائما: اخر انتصار، تبدأ معه اولى الهزائم.. وبتعبير اخر نهاية الصعود وبداية الانحدار، وذاك ما عبر عنه نعوم شومسكي خلال حرب كوسوفو بقوله انها بداية النهاية، او ما كتبه يومها هنتنغتون نفسه قائلا: >اننا نلعب بالنار<.
وها هو اللعب بالنار يبلغ حده الاقصى مع هذا العدوان على العراق، الذي لا يمكن للامبراطورية ان تخرج منه الا بواحدة من معادلتين:اما انتصار عسكري وهزيمة سياسية، واما هزيمة مزدوجة على الصعيدين، والتالي نهاية هيمنة القطب الواحد وبداية حرب باردة جديدة، بين قوة كبرى منهكة، وقوى كبرى صاعدة متحفزة.
ولعل هذا الواقع هو ما يخشى لوبي الحرب المحيط بالرئيس الاميركي تأثيره على جورج بوش، فيقنعوه بعدم مشاهدة التلفزيون حيث صور الدمار والاسرى والقتلى، او حتى مشاهدة شريط فيديو يصور الطيارين الاميركيين الاسرى، ويعلنون بان الرئيس اخبر عن مضمون الشريط دون ان يراه.. كي يظل – كما عنوان رواية اتوود النبوءة – القاتل الاعمى.