رسالتان!

صحيفة الدستور، 13-01-2003

رسالتان عبر عنهما اختيار المكان: بكين، وفيينا.

فالبيان الصحفي الذي اعلن انسحاب كوريا الشمالية من معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية، صدر على لسان السفير الكوري في العاصمة الصينية وزميله في العاصمة النمساوية.

اما الرسالة الاولى فهي تأكيد التنسيق بين بكين وبيونغ يانغ بخصوص الازمة الحالية، وبخصوص الوضع الاسيوي، ووضع القارة القديمة في واقع السياسة العالمية.

في حين ان الرسالة الثانية موجهة لاوروبا، كدعوة لها لاخذ المواقف الاسيوية بعين الاعتبار، وربما كدعوة غير مباشرة الى ممارسة استقلالية اوروبية اكبر عن واشنطن، قد تؤدي في النهاية الى تحالف اوروبي – اسيوي في مواجهة العولمة الاميركية.

دون ان يعني ذلك ان هذا التحالف قادم غدا، او ان انسلاخ اوروبا والصين عن الاميركيين سيتحقق غدا. فأوروبا ما تزال جزءا من حلف الاطلسي، والولايات المتحدة ما تزال الشريك الرئيسي التجاري للصين حيث تستورد منها 21% من صادراتها. اضافة الى ان تطوير كوريا الشمالية لسلاحها النووي قد يشكل ايضا مخاوف بالنسبة للصين، خاصة مع احتمال توحد الكوريتين مستقبلا.

غير ان هذا كله يندرج على المدى البعيد، اما في المدى القريب، فان الحدث الاكثر حسما في مستقبل العالم الان هو الحرب المتوقعة ضد العراق، والتي تهدف الى اتمام سيطرة الولايات المتحدة سيطرة كاملة على نفط الشرق الاوسط، وعلى المنطقة التي تشكل بعدا جيوبوليتيكا استراتيجيا لاكثر من جهة.

والمتضررون في ذلك ثلاثة:

الصين، اوروبا وروسيا.

اوروبا متضررة من احتمال السيطرة الاميركية على الطاقة، ومتضررة من احكام هذه السيطرة على منطقة تشكل المدى الجيوبوليتيكي لاوروبا، سواء في حوض المتوسط، ام في مناطق برية اخرى، مما سيجعل معظم حدود القارة متاخمة اما لمناطق تقع تحت الهيمنة بل والاحتلال الاميركي، او تحت هيمنة الفوضى الكاملة الدامية والمدمرة. مما يجعل البعض يعبر عن المدى الاقتصادي بالقول ان هذه الحرب انما هي في احد جوانبها حرب ضد اليورو، كما يعبر البعض الاخر عن البعد السياسي بان النتيجة ستكون وقوع اوروبا نفسها في قبضة الحصار الاميركي.

هذا الحصار هو ما تخشاه روسيا، التي لا تخشى مشكلة الطاقة لانها غنية بها، لكنها تخشى الحصار السياسي خاصة بعد نزول الاميركيين في افغانستان وتوسيع حلف شمالي الاطلسي.

اما الصين فتخاف الاثنين: السيطرة على مصادر الطاقة، والحصار السياسي، العسكري.

في هذا السياق تبدو كوريا ممثلة الى حد كبير للمصالح الصينية والروسية، كما ان هذا التمثيل يخاطب المصالح الاوروبية.

لذلك فلن يسمح اي من هذه الاطراف بضرب كوريا، ولذلك تضطر الولايات المتحدة بالتالي الى التعامل مع الامر بمرونة غير معهودة منها، خاصة في تعاملها مع العراق، بل ان الادوار تبدو معكوسة. فكلما تشددت واشنطن اضطرت بغداد الى تقديم تنازلات. وكلما تشددت بيونغ يانغ اضطرت واشنطن لتقديم تنازلات الى حد جعل كوريا تستبق الامور وتعلن ان فرض العقوبات هو بمثابة اعلان حرب، وتحذر من حرب نووية في جنوب شرق اسيا.

فهل سيكون لهذا المأزق الدولي دوره في منع او على الاقل تأخير ضرب العراق؟

وهل ان التحرك التركي الاخير، وتصريحات توني بلير، وتحركات فيدرين والالمان، هي ارهاصات لهذا الاحتمال ام انها ستكون مجرد غبار يغطي واقع الازدواجية غير المبررة، في موقف واشنطن من البلدين الاسيويين؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون