رخيصة هذه الاسفنجة الاميركية…!
ورخيص ثمن الغضب العربي، ان لم نقل الكرامة!
تسعة وعشرون مليون دولار لامتصاص الكراهية العربية للولايات المتحدة الاميركية، بعد ذبح فلسطين وتدمير العراق، وارتهان النفط، بل وارتهان الارادة السياسية كلها.
وعشرات المليارات لارضاء اسرائىل وضمان تفوقها في جميع المجالات.
غير ان الامر ابعد من هذا، على فداحته، ففي سياق الامتصاص، يأتي التدجين الكامل الممهد للخضوع للهيمنتين الاميركية والاسرائىلية، وفي سياق دعم اسرائىل يأتي تأهيلها لاكتساح المنطقة تماما والسيطرة على النظام الاقليمي الجديد الذي سيترسخ ما بعد الحرب المقبلة على العراق، وما سيليها على مختلف بقاع الخريطة العربية، من سوريا ولبنان الى مصر، ومن السعودية الى ايران.
هزال المبلغ، خاصة ازاء الاهداف المعلنة (29 مليونا للقضاء على الاصولية الاسلامية، وتطوير التعليم والمرأة والقضاء على الفقر والبطالة) يجعلنا نعتقد للوهلة الاولى ان كولن باول وادارته غير جادين في مبادرتهم، وانهم مجرد قنبلة وهمية مؤقتة، مجرد بند عادي في قائمة التحضيرات للحرب القادمة ضد العراق.
لكن تدقيقا اعمق في المبادرة نفسها، في رؤية باول نفسه للعلاقة مع المنطقة ولسياق الظرف الاميركي، يقودنا الى غير ذلك.
المبادرة تحدد اولا، دمقرطة المنطقة على انها اولوية استراتيجية.
وكولن باول هو الذي كان اول من نبه عام 1990 الى خطر الكراهية حيث قال يومها: »لا شك اننا نحتاج السيطرة على منطقة الشرق الاوسط والخليج العربي في مواجهتنا الاستراتيجية المقبلة مع آسيا واوروبا، لكن من الافضل ان نحقق هذه السيطرة بوسائل اخرى غير الحرب، ذاك ان من شأن الحرب ان تؤدي الى تنامي الكراهية لاميركا في المنطقة مما يهدد مصالحنا هناك كما تؤدي الى تنامي الاصولية الاسلامية، والنزعات المتطرفة«.
وقد جاءت احداث ايلول وما تلاها من اجواء لتدعم رؤية باول هذه، فاذا الحديث عن الكراهية يتقدم على اي حديث آخر، سواء في اوساط الادارة الحاكمة او المعارضة، وسواء داخل الولايات المتحدة ام خارجها.
فنرى كونزاليزا رايس، تعمل على انشاء مكتب خاص في البيت الابيض باسم مكتب مكافحة الكراهية.
ونرى شليسنغر يكتب في وول تريد جورنال عن كراهيات، لا كراهية واحدة، كما نرى كتابا اوروبيين كثيرين يحذرون الولايات المتحدة من الاكتفاء برد تبسيطي على سؤال: لماذا يكرهوننا؟ رد يتمثل في القول: انهم يكرهوننا لانهم يغارون من رفاهنا الاقتصادي، او لانهم يغارون من قيمنا المثالية.
كل هذا، كان من الممكن ان يؤدي الى علاقة افضل بين واشنطن والعالم العربي لو اعترفت هذه الاخيرة بأن سبب الكراهية يكمن في فلسطين، في العراق، وفي سائر الساحات التي تصادر عليها الحقوق والثروات ويعتدى فيها على الكرامة.
ولو قامت بناء على هذا الاعتراف بتصحيح مواقفها وسياساتها ازاء المنطقة.
لكن ما حصل هو مجرد استخدام ماكينة تفريغ لافراغ المطلب الديمقراطي من معناه الحقيقي، الذي نصبو اليه جميعا، وهو العمل على ارساء دكاكين ديمقراطية وهمية، تكون حرة في اتخاذ جميع المواقف والقرارات المناسبة لاميركا واسرائيل.