“على الداعية المسلم ان يعيش عصره لا ان يعيش الماضي في الحاضر، دون تخلٍ ودون تأثر بما هو مخالف للاسس، وذلك حتى نستطيع ان نوازن بين النظرية في اصالتها والتطبيق في واقعيته..«، علينا ان نمتلك خط الكتاب اي النظرية وخط الحكمة اي التطبيق، وثقافة الاثنين معا، كي نعطي العالم الصورة الحضارية الواضحة والحقيقية عن الاسلام.
هكذا يلخص العلامة السيد محمد حسين فضل الله صورة الوجه الذي يجب ان تتصدى به هذه الحضارة لحملات التشويه التي تتعرض لها في العالم، ولا يحجم في هذا الاطار عن ادانة ضمنية لسلوكيات وحركات تساهم عن قصد او عن نقص في الوعي، في المساعدة على التشويه، بل ويمضي ضمنا الى حد اتهام الجهات الغربية والمعادية بالوقوف وراء هذه الجهات ودعمها.
في هذا السياق يدين فضل الله هجمات الحادي عشر من ايلول، لا رفقا بامريكا وسياساتها، وانما لان هذه الهجمات قد اعطت واشنطن فرصة ذهبية لتحقيق هذه السياسات على اكثر من جبهة، وعلى حساب العالم، وخاصة فيما يخصنا نحن، على صعيد تحقيق حلم صهيوني قديم هو مساواة المقاومة بالارهاب، اضافة الى القضاء على الانتفاضة، وايقاظ وتغذية حس العداء للعرب والمسلمين في العالم الغربي، وعلى الصعيد السياسي الديبلوماسي، جر اوروبا والى حد ما روسيا الى صف الموقف الاميركي من الصراع العربي الاسرائيلي.
واذا كان لا بد من قياس الامور بما تحققه من نتائج، فان هذه الهجمات لم تصب في مصلحة احد كما صبت في مصلحة اسرائيل واميركا، ولم يتضرر منها احد كما تضرر منها العرب والمسلمون.
فهل يمكن والحال هذه ان يكون من وقف وراء تنفيذها »لا من نفذها« الا واحدا من اثنين متواطئا او قصير النظر.
والسؤال الذي يواجهنا بالحاح، هو كيف ستتحرك المنظمات والدول العربية في حقل الالغام هذا؟
بخصوص حزب الله، حاول فضل الله في لقائه التلفزيوني ان يزاوج الثبات في الاسس مع الحكمة في التطبيق، منسجما مع ذاته، فأكد على عدم امكانية او جواز فصل حزب الله عن القضية الفلسطينية، او عن الصراع العربي الاسرائيلي، كما اكد على عدم امكانية تحول حزب الله الى حزب سياسي بالمعنى الهلامي للكلمة. واكد اخيرا على سذاجة الدعوة الى فصل السياسة اللبنانية عن السورية.
لماذا؟
في الجانب الاول اسباب ثلاثة: استمرار الاحتلال الاسرائيلي لارض لبنانية، وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واخيرا وذاك هو الاهم لان القضية مع اسرائيل هي قضية قومية شاملة، ولا قضية مستقلة لهذا القطر، او ذاك، وهذا هو الاساس الذي تضع عليه اسرائيل سياساتها.
في الجانب الثاني، فما معنى التحول الى حزب سياسي؟
اهو التحول الى حزب يبحث عن موقع لا عن قضية؟
اذا كان الامر كذلك فهو التحول المستحيل.
اما في الجانب الثالث، فان فصل السياسة اللبنانية عن السورية هو من باب السذاجة البحتة.
تلك هي الثوابت التي يؤكد عليها السيد، وقد يبدو ان لا جديد فيها، حتى عن موقف الحكومة اللبنانية، لكن الحكمة التي طعمت بها هذه الطروحات تمثلت في عدة نقاط اخرى.
اولاها التركيز على ان الحزب لا يمارس نشاطا عسكريا مرتبطا بالنضال في فلسطين، وانما يركز على نشاط سياسي – اعلامي، وهذا ما تقوم به الانظمة العربية، بل والفضائيات.
وثانيتها ان الحزب لا يدعو الى اي عنف في الداخل، او اي نشاط عسكري ضد المدنيين.
هل الامر تكتيك اعلامي للتصدي لتهمة الارهاب؟
ام هو احناءه الى حين مرور العاصفة؟
ام انه حقيقة المسلك النضالي للمقاومة اللبنانية؟
ربما كل ذلك معا..