الهولوكوست الاميركي

شؤون دولية، 16-12-2001

هل سيحل الهولوكوست الامريكي مكان الهولوكوست اليهودي؟
هل ستحل منهاتن مكان اشويتز في الذاكرة الجمعية للعالم؟
هذا السؤال لا تثيره وجوه شبه متعلقة بالحدث نفسه، خاصة من حيث كون كلمة هولوكوست تعني الموت حرقا، بقدر ما يثيره عنصر خاص هو مفهوم الفرادة الهولوكوستية.
فاليهود لم يكونوا اول من مات في حرب او حتى في اضطهاد، ولا اكبر المجازر البشرية من حيث عدد الضحايا، لكن المؤسسة اليهوية الصهيونية، ودولة اسرائيل عملتا طيلة خمسين سنة على تركيز مفهوم فرادة هذا الموت، وعدم جواز مقارنته بأي موت جماعي آخر. وذاك بكثير من الحجج التي تخفي وراءها الحجة الحقيقية وهي ان فرادة الموت اليهودي هي نتيجة لفرادة اليهود، اي لمبدأ الاختيار الالهي.
ولعل المفارقة ان اول استعمال دولي لمصطلح الهولوكوست للاشارة الى كل المجازر الجماعية في التاريخ، اي فيما يعتبر الغاء لمبدأ الفرادة قد ورد في دوربان، ضمن صيغة بيان المنظمات غير الحكومية، وضمن تصريحات بعض المسؤولين ومن بينهم امين عام الجامعة العربية.
ولكن الايام لم تطل بعد دوربان، حتى كانت منهاتن، واذا بنا نشهد تعاملا فعليا مع ضحايا تفجيرات 11 ايلول وكأنهم اول وآخر الضحايا، او كأن موتهم مختلف ومتقدم على موت البشر من الهنود الحمر الى السود الافارقة، الى الآسيويين سواء في فيتنام ام في كوريا ام في كمبوديا ام في العراق ام في فلسطين.
وهنا لا بد من التوقف امام عمل لم نعطه حقه، للزميل علي اسعد، وهو كتاب »الهولوكوست الفلسطيني« الذي كان يفترض له تسويق اعلامي يليق بالجهد التوثيقي الذي تجلى فيه، كما يليق بجرأة كسر مبدأ الفرادة ايضا، باستعمال مصطلح الهولوكوست للموت الفلسطيني. مع ما في كل ذلك من زعزعة للسائد، وتحد لفكرة الاختيار التي تقع في اساس الادعاءات الصهيونية.
واذا كان تحدي هذه الفكرة قائما في اساس الايمان بالمساواة بين البشر، وبان كل تفكر لذلك، يعني العنصرية تحديدا.
فان تحدي طقوس التمييز التي توفر للضحايا الاميركيين، يعود الى الايمان نفسه، فليس رعايا روما الامبراطورية باغلى من ناس البرابرة والاراضي المجهولة Terra incomgnita.
وليست عدالة مارك اوريليوس التي كانت نموذجا في روما، في حين تسمح بصب الرصاص في حلوق الاسرى اذا كانوا من هؤلاء البرابرة، ببعيدة عن »العدالة اللامحدودة« التي اعلنتها الولايات المتحدة بعد اصابة قلبها.
ان التضامن مع كل بريء يتعرض للاعتداء، سواء كان اميركيا ام صوماليا، لا يجوز ان يحجب السؤال: هل كان اهل هيروشيما وناكازاكي ودريسدن، مذنبين في ارحام امهاتهم؟
وهل اطفال العراق مذنبون منذ النطفة البابلية؟
وهل ان كل من ولد فلسطينيا، ولد مدانا ومحكوما لانه اعطي بالولادة ارضا يريدها »ابناء الله« المميزون، سواء كانوا قد اعطوا بالولادة والتاريخ ارضهم في روسيا او اثيوبيا؟
هل الموت القسري، كمطاعم ماكدونالدز وكالاسلحة التالفة،، وجد ليصدر من الولايات المتحدة الى خارجها، وليس العكس بأية طريقة؟
واخيرا هل سيكسر تحول الفرادة الى فرادتين المبدأ بحد ذاته، ام انه كله في سياق مبدأ الامبراطورية والبرابرة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون