ثأرا من “ابوظبي”.. ثأرا من صلاح الدين

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 21-11-2001

ان «يشمئز» وزير الخارجية الاسرائيلي من برنامج تبثه قناة ابوظبي، مقدما شارون بصورة كاريكاتورية ساخرة تتمحور حول اجرامه، لشيء عادي، ليس لان الوزير حريص على صورة رئيسه ومؤمن بها، فبينهما ما صنع الحداد، ولكن لان هذه الصورة هي في نهاية الامر صورة »اليهودي« في عين »العربي« يتلقفها الاول وهو ينطلق من خلفية تقول ان الفارق بين اليهود وابناء الناس، الاغيار، اكثر مما بين هؤلاء والبهائم، فكيف يحق لهم السخرية منها.

لكن الامر ابعد من حيث التأثير، فهذا البرنامج الفكاهي يعيد التأكيد، من خلال صورة شارون، على صورة هذا العدو اليهودي القميء الذي يرفع بيريز ومدرسته راية قبوله في المنطقة، بصرف النظر عما اذا كان هذا القبول من طرفنا يستتبع قبولا اخر من طرفه، قائما على القبول بالمساواة بين بني البشر، وبصرف النظر عن كون القبول الاول يعني قبولا بتهويد اقتصادي ثقافي، تحقق فيه اسرائيل ما لم تحققه بالحرب.

الامر ابعد، لان اسرائيل، وحمائم بيريز، تريد ان تذبح الفلسطينيين طيلة عامين عبر مجازر يومية لا تقل فيها قسوة التنكيل والافقار والتجويع والخنق عن قسوة القتل، وان يحتفظ لها العرب، رغم ذلك بصورة الشريك المسالم المتحضر، وحذار من اي عمل اعلامي يذكر بانها نتاج عقلية جرمية، تتجدد كل يوم، لان المطلوب ان يشهد العرب موتين متلازمين: موت ابنائهم واخوانهم، وموت كراهيتهم للقاتل.

الامر ابعد ايضا، لان هذه القطرة هي اول الغيث، الذي طالما حذرنا من انصبابه على رؤوسنا: اعلاميين وكتابا وسياسيين، افلم تطالب اسرائيل خلال المفاوضات مع سوريا، بمنع وسائل الاعلام ودور النشر من بث مواد معادية؟ الم يكن بيريز هو المطالب بالحاح بتعديل مناهج التعليم؟

الامر ابعد ايضا، لان ما يثير حفيظة بيريز واسرائيله، ضد قناة ابوظبي، ليس هذا البرنامج الفكاهي وحده. وانما جملة مواقف، منها ما يتعلق بالقناة نفسها ومنها ما يتعلق بدولة الامارات ذاتها.

فالتغطية الخاصة والهادفة التي تميزت بها قناة ابوظبي لاحداث الانتفاضة، ولسائر الاحداث العربية، بعيدا عن هاجس »التوازنات« المشبوه، هي التي تثير حفيظة اسرائيل.

والبرامج الخاصة التي تقدمها، وعلى رأسها المسلسل الرائع الذي تبثه الان عن صلاح الدين الايوبي، حيث يحلق وليد سيف في براعته الدرامية التي لا تساويها الا براعة اسقاطاته المعاصرة، هي التي تثير حفيظة اسرائيل..

ولكن..

هل يستطيع بيريز ان يطالب العرب بعدم تقديم اخبار احداثهم؟ او ان يطالبهم بعدم انتاج مسلسلات عن وقائع تاريخهم؟

اذن فليمسك التصيد، بهذا العمل »ارهابيات« وفيه ما فيه من ابواب الخطورة، فهو اضافة الى كل ما ذكرناه، يحمل عنوانا يقول الكثير: يقول ان صفة الارهاب لا بد وان تشمل ليس فقط اسرائيل وانما العقلية والمفاهيم اليهودية، قديما وحديثا وشارون هو النموذج، وان الحرب ضد الارهاب لا يمكن ان تتجاهل ذلك.

يقول رداً غير مباشر على اتهام منظمات المقاومة العربية بالارهاب.

ولكن باسم ماذا، وبواسطة من تتحرك اسرائيل؟

باسم اللاسامية، وهذا اتهام بقدر ما هو مضحك حين يوجه للعرب، بقدر ما علينا ان نأخذه على محمل الجد، لان العقلية الغربية مهيأة له، فهو سيف مسلط على رأس كل من ينتقد اسرائيل او اليهود، او يسلك مسلكا يتعارض مع مصالحهما.

وبواسطة من؟ بواسطة المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة اليونسكو »كما ذكرت اخبار البي بي سي« التي ما تزال تخصص بندا من ميزانيتها – التي يساهم فيها العرب بشكل جيد – لرعاية اشويتز وبيركينو والحفاظ على ذكرى الهولوكوست.

هنا يبرز دور منظماتنا ودولنا وعلى رأسها الجامعة العربية، ومؤسساتها ومن ورائها وزارات الاعلام والهيئات الديبلوماسية، دورا اسوأ صورة ان يتخذ صفة الدفاع والتبرير، واذكاها ان يتخذ طابع الهجوم، هجوما يخاطب ايضا كوامن راسخة في العقلية الغربية، خاصة قيمة حرية الرأي والتعبير، وينتهز الفرصة لابراز ارهاب اسرائيل.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون