الفـــــخ!

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 15-11-2001

نقاط مثيرة تلك التي طرحها صموئيل هنتنغتون في دبي. خاصة ما تعلق منها بدعوة الولايات المتحدة الى فك ارتباطها الكامل باسرائيل، او بالدعوة الى قيام دولة فلسطينية وتفكيك المستوطنات.

لكن ذلك كله – على ما اثاره لدى الفقراء العرب، الذين اصبحت »الكسرة بيدهم عجيبة« على حد قول المثل الشعبي – ينمحي امام نقطة اساسية حقوقية طرحها صاحب نظرية صدام الحضارات، طرحها وكأنه يؤيد بها الموقف الفلسطيني، في حين انها في الحقيقة نسف كامل للاساس الحقوقي الذي يقوم عليه هذا الموقف.

هذه النقطة هي قوله: ان المسلمين يخضعون في دول كثيرة لحكم غيرهم كما هو الحال في كشمير والشيشان وفلسطين، حيث يخضع المسلمون في هذه الاخيرة لحكم الاسرائيليين، ولذلك لهم الحق في دولة.

هذا التفسير المشوه للصراع العربي – الاسرائيلي، ذكرني بطرح مشابه واجهته خلال ترجمتي لكتاب »عالم صوفي« لاستاذ الفلسفة النروجي جوستيان غاردير، حيث قدم هذا الفيلسوف تاريخ الفلسفة الانسانية كله بصيغة رواية تدور احداثها بين جنوب لبنان والنروج، ولذلك فانه عرض للحرب القائمة في ذلك الجنوب، ولقضية القدس، وفي الحالين كان يقول انها حرب بين اتباع الديانات الثلاث ويجب ان تتوقف كحرب دينية.

وعندما اعترضت على هذا الطرح الذي يحور طبيعة الصراع، القائم على احتلال الارض، ولا علاقة له بالدين من الطرف العربي، بل ان طابعه الديني ينحصر في الادعاء اليهودي بالوعد الالهي، كما يتجاهل التعددية الدينية العربية والفلسطينية والتي لم تكن يوما في التاريخ سبب صراع، اعترف بانني على حق، وطلب الي حذف ذينك المقطعين من الترجمة العربية للكتاب.

السؤال الذي يطرح هنا بالحاح، هو: هل من الممكن ان يكون فلاسفة ومفكرون، من مثل هنتنغتون وغاردير على جهل بحقيقة صراع يشغل العالم منذ قرن؟

هل يمكن الا يفهم ابسط الناس ان هذا الصراع هو بين قوة احتلال صادرت ارض الغير واقامت عليها دولة، وبين شعب محتل، يواجه اما الاستعباد واما الطرد من ارض اجداده؟

والجواب، ان ذلك الجهل امر مستحيل، لكن السياسة والفكر الغربيين المهودين، يعمدان باصرار الى اغفال الحقيقة التي تتمحور حول الارض وانسانها، والايهام بواقع صراع اديان، تضيع في ثناياه اكثر من حقيقة:

– حقيقة الجانب الحقوقي في الصراع اذ تتحول القضية الى مجرد عداء ديني، وغياب التسامح، لا فضل فيه لجانب على اخر، ولا حق فيه لجانب على اخر الا حق القبول.

– حقيقة الجانب التأسيسي، حيث انه لا اساس للادعاء اليهودي الصهيوني، الا في اسطورة دينية، فاذا ما اخرج جدل الصراع عن الدين فلن تبقى بيد هؤلاء اية حجة.

واذا ما اعيد التقييم الى العلم والتاريخ، اللذين يبنيان تحديد كيان »شعب« و»امة« والحق في »وطن«، على اساس الانتماء التاريخي المتصل لرقعة جغرافية معينة والتفاعل معها وعليها عبر الزمن، بصرف النظر عن تعدد الاعراق والاديان، الذي يفني ولا يلغي، فان ذلك يخرج اليهود من دائرة المصطلح فلا هم شعب، ولا هم امة، ولا فلسطين وطنهم.

اما اذا ارسي هذا التشويه القائل بان الصراع اسلامي – يهودي فان التعادل والتماثل، يعطيان اليهود مساواة بالطرف الاخر المواجه، ولا حق لاحد على اخر.

الدين مكوّن اساسي من مكونات الحضارة، ومن مكونات الثقافة، ولكنه ليس الاساس الذي يصنع من مجموعة شعبا، ويمنحها الحق في ارض.

واذا كان لليهود وللغرب مصلحة في تمييع وتمويه ذلك فعلينا نحن الا نقع في الفخ.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون