هل صحيح ان الحرب التي تدور الان حرب صليبية، كما قال جورج بوش ويقول اسامة بن لادن؟
واذا كان الامر كذلك فأين دور وموقع المسيحيين العرب؟
اسئلة قد لا يتجرأ الكثيرون على طرحها، لان ذلك يحتاج الى تحرر داخلي كامل من عقدة التجزئة الطائفية، وعقدة ما يسمونه بالاقليات، مع كل ما في ذلك من مغالطة لعلم الاجتماع والتاريخ.
فالحرب هي فعلا حرب صليبية اذاما عنينا بذلك وجه الشبه الذي جعل الحروب الصليبية الاولى، تغطي بقناع الدين اطماعا اقتصادية وهيمنة توسعية.
وهي بذلك ايضا حرب صليبية، من حيث وجه الشبه الذي تمثل في اقدام الحملات الصليبية على تصفية المسيحيين العرب، بمن فيهم الرهبان الآمنون في اديرتهم، بذات المعيار الذي جعل هؤلاء المسيحيين يقاتلون في جيش صلاح الدين.
لكنها، وبذلك، ليست ابدا حربا صليبية من حيث كونها صراعا عقديا دينيا، كما كانت الحروب الدينية الاوروبية على امتداد ثلاثين عاما.
فليس الاسلام ما يجعل الولايات المتحدة تطمع في نفط بحر قزوين، وفي ثروات جمهوريات اسيا الوسطى، مما يجعلها بحاجة الى افغانستان عقدة المنطقة، و»سقف العالم« كما كان اللقب الذي حملته.
وليست المسيحية هي التي استدعت كبت وحقد مفجري ابراج منهاتن.
هراء هذا الكلام المتخلف عن صراع الاديان، وتسميته بصراع الحضارات، فالحضارة لم تكن يوما – في تعريفها العلمي – مقتصرة على طابعها الديني المعزول. بل هي بكونها حضارة، قوة هاضمة لجميع مكوناتها وعناصرها، من دينية او اثنية او ثقافية الخ..
فعندما نقول الحضارة العربية الاسلامية، يتشكل المصطلح ليشمل جميع العرب، وعندما نقول الحضارة الهندية يتشكل المصطلح ليشمل جميع الهنود، وعندما نقول الحضارة الاوروبية يتشكل المصطلح ليشمل جميع الاوروبيين.
لنكف عن الخلط بين الحضارة والدين، كي لا نصل الى حروب دينية باسم صراع الحضارات، ولننظر مرة الى كل الصراعات التي شهدتها منطقتنا، عبر تاريخها كله، باسم الاديان، لنكتشف انها لم تكن في العمق الا صراعات سياسية، اقتصادية، حتى حرب لبنان، بل حروبه.
صراعات لم يكن العامل الديني او الطائفي فيها الا صاعق تفجير، وقنبلة عنقودية يزرعها الاجنبي فنسقيها نحن ونخصبها لتفرخ مئات.
وفي القرن الاخير، اصبح مطلب تغذية هذا الاساس للصراعات مطلبا صهيونيا ملحا، لان اسرائيل وحدها، ومن دون كل دول العالم، تقيم مشروعيتها الوجودية على اساس ادعاء ديني، صحيح ان هناك دولا مسلمة، ودولا مسيحية، او بوذية الخ.. ولكن ليس هناك شعب يقيم حق تشكله كشعب وانتمائه الى ارضه، على اساس الدين وحده، فالباكستاني مسلم ولكنه باكستاني قبل الاسلام وبعده، والايطالي مسيحي لكنه روماني ايطالي قبل المسيحية وبعدها، والمسلم الهندي هندي كما المسلم العربي عربيا.. وحده اليهودي يتنكر لبلده، لانتمائه، ويتجمع في ارض اخر لمصادرتها، ولا يستطيع ان يقيم صراعه الا على اساس ديني.
لذلك فهو وحده المستفيد من ارساء فكرة صراع الاديان، وتعريف الحضارات بالدين وحده، لانه بذلك يجد للصهيونية ولاسرائيل تبريرا وتعريفا وتماثلا مع الاخرين، بل ومبعث تضامن واتحاد.
في حين يبدو الامر معكوسا تماما بالنسبة لنا نحن، اهل الحضارات القائمة على التعددية، والفنية بالتعددية والانفتاح والتسامح، معكوسا، لانه لا يهدد فقط هذه القيم التي تشكل العمود الفقري لحضارتنا هذه، بل ويهدد وجودنا القومي واستقرارها وبقاءنا، ولا يحتاج الامر لاكثر من النظر الى الانعكاسات الخطيرة التي يمكن ان تحصل في مصر، او في لبنان، او في العراق او فلسطين الخ.. لنفهم ان الخطاب الذي نحتاجه هو خطاب اخر.
خطاب يدين الظلم، والطمع، والمصادرة، والاعتداء على القيمة العليا المتمثلة في الانسان وحقوقه وحرياته وحياته، وعلى كيانه الوجودي على ارضه.