الفكرة العبقرية التي اهتدى اليها الاعلام العربي، وبعض الساسة، والمتمثلة في مطالبة توني بلير بأن يصدر وعداً موازياً لوعد بلفور، باقامة دولة فلسطينية، تبدو في الواقع نموذجاً مثالياً لخلط المفاهيم، والتخبط فيما يخص الاسس الحقوقية للصراع.
فمجرد تركيب الجملتين: بيت قومي لليهود على ارض فلسطين التاريخية، ودولة فلسطينية للفلسطينيين على ارض فلسطين التاريخية، يلخص المفارقة، ويطرح الاسس الحقوقية المتقابلة: يهود، وفلسطينيون. اتباع دين معين، موزعون على عدة انتماءات وعدة شعوب، كما هو حال جميع اتباع الاديان.
وشعب، يتكون من افراده الذين يؤمنون بمختلف الاديان لكنهم ينتمون الى شعب واحد، وارض واحدة “تاريخية”.
ولكلمة تاريخية هنا قيمة هي الاساس في ترتيب الحقوق. فاستمرارية الحياة لشعب ما، لمجموعة ما، على ارض ما، على امتداد التاريخ، هو ما يشكل نسبته لها ونسبتها له، وحقه فيها.
لذلك ففلسطين للفلسطينيين كما هي بريطانيا للبريطانيين.
ولذلك، فان هذا الحق، هو حق طبيعي لا يمنحه لا طوني بلير، ولا سواه. وهو حق طبيعي يترجم سياسياً ودستورياً بكيان اسمه دولة.
في ذلك يكون الحق الفلسطيني في الدولة، حقاً عادياً، كما كل شعوب الارض من الاسكا الى القطب الجنوبي.
ويكون وعد بلفور، اعتداء استثنائياً مبنياً على مطالبة استثنائية في طوطميتها وبدائيتها، واستعماريتها.
وتكون المطالبة “الذكية” تنازلاً رهيباً، يلغي هذا الافتراق الحقوقي الاساسي ويساوي بين المغتصب وصاحب الحق، امام القوة الغاشمة التي ساعدت على الاغتصاب. عندما قامت بمنح حق لا تملكه الى اناس لا يملكونه.
واذا كان “اذكياء” الاعلام قد اعتقدوا انهم بذلك يذكرون بريطانيا بذنبها ومسؤوليتها، مطالبين اياها بموقف مقابل.
فقد كان من الاحرى ان يقولوا لها مضمون الذنب الذي ارتكبته، وان يطالبوها بتصحيح خطأ وعد بلفور، والتعويض على ضحاياه. مستغلين الفرصة لتأكيد حقهم، ونفي ما يدعيه الآخر حقاً. ولابراز جميع المآسي التي نجمت عن ذلك الوعد، من قضية اللاجئين الى القدس الى الظلم اليومي اللاإنساني. الى الدولة. ليصبح الرئيس البريطاني في موقع المدافع عن خطأ، لا المتفضل بمنة يستجديها منه ضعفاء.
وإذا كان “لطفاء” الديبلوماسية يعترضون، بأنه لا بد من التوجه الى مسؤول دولي قادر على القرار بأسلوب غير استفزازي، فان ذلك يصبح مسألة صياغة واسلوب تعتمد على ذكاء الذي يتصدى للمهمة.
كما يصبح مسألة افاده من وقائع تاريخية عديدة وضعت الانكليز مراراً في مواجهة التطرف اليهودي والاسرائيلي خاصة فيما يتعلق بمسألة الهجرة، وبخطط بيغن المعلنة لتكسير الهيبة البريطانية، وبقضايا الاغتيالات ضد مسؤولين دوليين الخ…
مما يصلح مدخلاً ممتازاً، كان يمكن الافادة منه، في هذه المرحلة بالذات للتصدي لقضية الارهاب، وابراز تصدر اسرائيل والمنظمات الصهيونية للعمل الارهابي، بكل اشكاله، ومنذ بداية القرن الى اليوم. في مقابل دفاع مشروع ومقاومة الاحتلال والإحلال والمصادرة، يقوم بها الفلسطينيون والعرب.
فليس من سجل غني على امتداد قرن كامل، بالشواهد الارهابية الجماعية والفردية، كما هو السجل الصهيوني، الذي نسكت عن نبشه وكان يداً خفية تشل ايدينا وتخرس صوتنا.