هذا الاسبوع كان صموئيل هنتنغتون يقول لمجلة الاكسبرس الفرنسية، ان قضية صراع الحضارات بمعنى الصراع بين الحضارة الغربية والاسلام، هي اكثر خطورة، على الصعيد الداخلي عليكم انتم الفرنسيون، منها على الولايات المتحدة الاميركية. وبالامس علّق قادم من فرنسا، ان اجواء التوتر التي تسود الاحياء العربية والاسلامية، وتحركات الشرطة حولها، توحي بما يشبه نذر حرب اهلية.
ذلك ما يعيدنا الى عام 1990 وموقف فرنسا من حرب الخليج، يومها اعلن جان بيير شفينمان موقفه القاطع من حرب الخليج، وبرر استقالته في كتابه »فكرة معينة عن الجمهورية قادتني الى..« موضحا تبريرا محددا كان قد اورده في مقابلة مع صحيفة لوموند قبل الحرب، وهو موقف يتلخص في ان ضرب العراق بالشكل الذي حصل، سيؤدي الى جملة نتائج، من اهمها بالنسبة له »نمو الاصولية الاسلامية، التي لن تلبث وان تجتاز المتوسط الى شواطئه الغربية بشكل لن يستطيع التوازن الهش للمجتمع الفرنسي تحمله«.
لكن المحظور حصل عام 1990، ولم تستفد منه اوروبا، بل اقتصر على تدمير العراق بشكل متواصل، حقن العرب بكم من الاحباط والقهر، الذي لا يمكن الا وان يصبا في صالح اية حالة تعايش.
المستفيد.. كان على المدى القريب الولايات المتحدة الاميركية، التي استطاعت ان تؤجل ازمتها الاقتصادية بفضل سيطرتها على النفط العربي، وان تفرش هيمنتها كقوة احادية على العالم. اما على المدى البعيد، والمستمر فان المستفيد الوحيد من ذلك كان اسرائيل واليهودية العالمية.
وبعد عقد واحد، كان صراع اخر يتفجر، ليفجر معه اكثر القنبلة العنقودية المتمثلة فيما يسمونه صراع الحضارات، تطبيقا لمقولة الاميركي اليهودي نفسه.
صراع لن يستفيد منه احد هذه المرة الا اسرائيل واليهودية العالمية.
اذ انه من المؤكد ان افغانستان وباكستان ستدفعان ثمنه بالدرجة الاولى، وان اسيا كلها ستخسر فيه بالدرجة الثانية، لكن الولايات المتحدة واوروبا لن تخرجا منه بربح هذه المرة.
فالاولى دخلت مأزقا وورطة لن تخرج منهما بسهولة، وربما رمالا متحركة تديرها القوة الجوفية اليهودية والثانية، سيكون لديها الكثير مما تخسره على الصعيدين الخارجي والداخلي، دون ان يكون لديها ما تكسبه.
ثمة سؤال يطرح نفسه هنا: هل يمكن الا تكون الطبقة السياسية في فرنسا وسواها على دراية بهذه المخاطر؟
واذا كان الجواب القطعي ان لا، فما هي القوة التي تستطيع ان تجر القرار السياسي الى موقع بعيد عن مصلحة شعبه والعالم كله؟
والجواب هنا ايضا معروف، لان المستفيد معروف.
المستفيد هو مرة اخرى اسرائيل واليهودية العالمية، وهو الشركات العملاقة، وكارتلات النفط، ومصانع الاسلحة وتجارها. ولا يخفى على احد الترابط القائم بين هذه كلها.
لكن ما يهمنا نحن بشكل اساسي هنا، هو منطق محدد يقول: ان تطبيق مفهوم صراع الحضارات يعطي مبررا لحالة الصراع العربي اليهودي فثمة حضارة اسلامية في مواجهة حضارة يهودية، كما انها في مواجهة حضارة مسيحية غربية.
في حين ان نشر مفهوم كهذا يشعل النار في واقع ومفهوم المجتمع التعددي الالفي الذي تقوم عليه المجتمعات العربية، ويضع العالم العربي كله على حافة حرب لبنان القاتلة.
والمفصل هنا قائم في مفهوم الحضارة واتساعها في دائرة تتجاوز الدين، الذي يشكل احد عناصرها، ولكن ليس كلها. الا لدى اليهود.
وبذا يكون فيما يحصل تهويد لمعنى الحضارة، يهدد معنى وجودنا كله.