“انه ليس احتلالا، بل شيء اسوأ من الاحتلال، انه “ابارتيد”، بكل ما تعنيه هذه الكلمة، ومن اسوأ انواع الابادة والتمييز اللذين عرفهما العالم«.
بحماس شديد كانت الصحفية الفرنسية دومينيك روك، تقول هذه العبارات الواقعية، الخطيرة، من على امواج اذاعة مونت كارلو، بعد توضيح انها امضت شهرا كاملا في فلسطين المحتلة .
وبلغة عربية جيدة راحت هذه الاعلامية الجريئة تفند الممارسات الاسرائيلية كما شاهدتها على الارض.
واذا كانت روك صوتا نادرا من حيث قدرتها على التعبير بالعربية، فهي ليست صوتا وحيدا في الاعلام الغربي عامة والفرنسي خاصة، من حيث موضوعيتها .
فقبلها كانت دانيال سالوناف، وكتابها الرائع عن رحلتها الى فلسطين وقبل سالوناف كان كريستيان شينو، وقبلهم جميعا كان سيرج تيون .
ومثلهم عشرات، عشرات، من الاصوات التي يكفيها القدوم الى فلسطين ورؤية الامور كما هي، ليعودوا الى بلدانهم بكلمة حق جريئة .
السؤال الذي نواجه به كلما عرضنا لهم هو: ما هو وزنهم؟
ما هي قدرتهم على التأثير في الرأي العام، وفي القرار السياسي في بلدانهم؟
والجواب الوحيد عن هذه الاسئلة جميعا هو سؤال آخر:
ماذا نفعل نحن، دولا ومؤسسات اعلامية ومنظمات عربية لمد اليد الى هؤلاء الشرفاء، لدعمهم في مواجهة اللوبيهات اليهودية المسيطرة على الاعلام في بلدانهم؟
فاذا كنت قد استعملت صفتي »خطيرة« و»جريئة« لوصف تصريحات روك، فانما اعني ذلك تماما، لانه ليس من باب الخطورة ولا الجرأة ان يقوم صحفي عربي بانتقاد اسرائيل، او بوصفها بنظام الابارتيد، او القول بانها اسوأ من الاحتلال .. لكنه من باب الجرأة غير العادية ان يقدم صحفي غربي على ذلك ، لانه يعني قرارا شجاعا بالتصدي الى مجنزرة النفوذ اليهودي القادر على قطع الارزاق والاعناق .
انه فتح معركة حقيقية وقاسية، من المفترض، منطقيا ان نكون نحن فيها ظهيرا لمن يساندنا، او لمن يتخذ منا موقفا موضوعيا .
هذا الموقف مطلوب اولا من نقابات الصحفيين، من اتحاد الصحفيين العرب، من الاحزاب والقوى السياسية، من وزارات الاعلام، ومطلوب ايضا من الجامعة العربية في اطار ما اعلنته من توجه نحو الاعلام الخارجي، توجه لا تكفي لانجاحه حنان عشراوي وحدها، حتى ولو كانت وجها ممتازا وخيارا اكثر من موفق .
بل يحتاج، كي ينفذ الى طاقات عربية عديدة قادرة على اداء دور في هذا التوجه، دور متعدد الوجوه، ومن وجوهه عملية رصد للاصوات الموضوعية والمؤيدة لقضايانا في الغرب، يليه تواصل مبرمج ومنهجي معها، يصل الى تشكيل لوبي اعلامي داعم ومدعوم، في وجه لوبي يهودي لا يجهل احد مدى سطوته، كما لا يجهل احد مدى وقاحته وقدرته على تحوير الامور وتحريفها وتشويهها .
ولعل مثال مداخلة دومينيك روك يوم امس، يقدم دليلا بليغا ، اذ في الوقت الذي كان فيه الاعلام المهود يصور الانسحاب من بيت لحم وبيت جالا وكأنه ايجابية سلمية اسرائيلية، على غرار ما يفعله بعض التجار النصابين في موسم التنزيلات حيث يضاعفون سعر القطعة ثم يكتبون عليها 50% ، فيهرع المشتري ببله راض..
وفي الوقت الذي كان فيه بعض الاعلام العربي ايضا، ينساق في هذه اللعبة التضليلية، كانت روك، الفرنسية، تفضح الابارتيد والاحتلال
فكم نحن بحاجة لمثلها!