الاصل والمصادرة!

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 25-10-2001

بعد الفي سنة من القطيعة، يحق لكل يهودي، ان يقطع حبل المشيمة الذي وصله طوال هذه المدة مع بلده كي يعود الى وهم طوطمي يسمى دينا يربطه بفلسطين.

بعد الفي سنة من التواصل الذي لم يعرف الانقطاع، يحرم حفيد للسيد المسيح الفلسطيني، من ان يتولى منصبا دينيا في كنيسة المسيح في فلسطين.

وبحق تدخل غريب من نوعه، تحتج سلطات الاحتلال الاسرائيلي على ترشيح الاب عطا الله حنا لمنصب بطريرك القدس..

بل وتتهمه »باللاسامية« و»الارهاب«.. فهل بقي عليها – لتكون وفية لارثها – الا وان تقوده الى حضره بيلاطس الذي لم يبخل التاريخ بتكراره، ومن ثم الى الجلجلة التي لم يجرؤ التاريخ والجغرافيا على زحزحتها او تغيير اسمها ومدلولها؟

عطا الله حنا، يفي بنذره كتلميذ للناصري، فيقف في صف الحق، في صف المظلومين، في صف العدل والمحبة.

وسلطات اسرائيل تفي بنذرها ليهوه لتتبع عمود النار الذي يقسم البشر الى من هو انسان ومن هو دونه مرتبة، فتتنكر للعدالة، للحق وتجعل من العنصرية والظلم والعدوان والحق، شهادة هوية، وملامح خصوصية.

وتتعدى ذلك الى وقاحة مطالبة من يريد ان يكون بطريركا للقدس، ان يلتزم بمن صلبوا المسيح كما بمن يكررون شهادة الصلب كل يوم، لاجل الحق.

عطا الله حنا مسيحي فلسطيني، تماما كما يسوع الناصري.. مثله دلكت امه جسده الطفل بزيت زيتون الجسمانية فحمل الرائحة المباركة في روحه وجسده..

من ذات الزيتون وذات النخل، قطع سعف احد الشعانين، وعلى ذات الحصى والتراب سار كل يوم جمعة عظيمة طريق الجلجلة، والى ذات السماء يتطلع كل صباح ايمانا بقيامة وصعود جماعيين هذه المرة. فاذا بتطلعه هذا جريمته التي يحتج عليها احفاد الجلادين والكتبة والفريسيين.

هو »لا سامي معادٍ لليهود« واليهود، وخاصة الصهاينة منهم، مغرقون في محبة الساميين العرب، لا يكنون لهم اي عداء، ولا يجعلون من اجساد اطفالهم، ضحايا تحرق على مذبح يهوه كل يوم..

ولكن..

اليهود هم اليهود..

واسرائيل هي اسرائيل..

صادروا المسيح، وصادروا بلاد المسيح واهلها، فهل نستكثر وقاحتهم في مصادرة حق ديني لاحفاد المسيح؟

فأين هي الكنيسة من كل ذلك؟ هذه المؤسسة التي تشكلت لحفظ ارثه، فاذا بها مؤسستان واحدة لروما والاخرى لبيزنطة، وجسد المسيح يشطر اثنين بينهما.. ومعه نشطر نحن، المسيحيين العرب، وكأننا لسنا لا اهل الرسالة ولا ورثتها.

لكأننا مغرمون بالانشطار دائما بين تبعيتين مركزيتين، حتى في امور الدين، اما استقلالية الانا، الذات فلعلها دفنت دون ان يقيض لها ملاك يدحرج حجر القبر.

بل ان تبعية ثالثة، وهي التبعية للاحتلال الاسرائيلي، جاءت لتضاف الى الاوليين.

لكأن المسيح نفسه لم يسم نفسه كاهنا على رتبة ملكي صادق كاهن اورشليم الكنعاني، ولم يتعمد على يد يوحنا الاسيني الكنعاني!

لكأنه جاء برسالة تنتمي الى مفاهيم أباطره الرومان او حتى فلاسفة اثينا!

ولكأننا كعرب، ومن ثم كمسيحيين عرب نتنكر لكل ما هو منا ولنا، ونعلي الثغاء الخرافي وراء من يستلبنا.

انها قضية، اكبر من الاب حنا بذاته، بل انه رمز لها.. انها قضية الكنيسة العربية، والمسيحيين العرب، ودورهم المطلوب، ازاء ذاتهم، ازاء دينهم، وازاء بلادهم.

دور لا يجوز ان يسمح لاحد بان يعاقب من يؤديه على وجهه الصحيح، كما عوقب الاب عطا الله حنا، وكما عوقب قبله المطران كبوجي.

دور مطلوب اولا من هؤلاء المسيحيين، احفاد الغساسنة، والفلسطينيين، وسائر اهل سوريا الكبرى ومصر والجزيرة، قبل الاسلام، ومطلوب دعمه ثانيا من سائر العرب.

دعم لا يمكن ان يتحقق الا اذا تحررنا من جريمة القول بـ »اقليات« تابعة للخارج. وانتقلنا الى حرية وشجاعة القول، باننا نحن الاصل والاستمرار..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون