ليسوا، “صقور الادارة الاميركية”كما تسميهم وكالات الانباء، ووسائل الاعلام، اولئك الذين يدعون الى توجيه ضربة للعراق. وانما هم جماعة “اللوبي اليهودي في الادارة والولايات المتحدة الاميركية” الذين يضغطون بشكل محموم للاجهاز على العراق بضربة تشل تماسكه، وتدفع به اما الى التقسيم او الى الاقتتال الداخلي.
وليس كل ما يثار حول اتصالات عراقية بابن لادن او سواه، وحول علاقة للعراق مع ما يسمونه »الارهاب« الا من باب الضغط الاعلامي والسياسي الذي يقوم به اللوبي اليهودي العالمي في سياق حملة الضغط المتعدد الوجوه لدفع الادارة الاميركية على اتخاذ قرار الحرب ضد العراق، وربما يأتي بعده هذا البلد العربي او ذاك.
واذا كان الصراع بين وزارة الخارجية ووزارة الداخلية قد بات معلنا، فان هذا الصراع هو بتعبير اكثر وضوحا، يسمي الاشياء بأسمائها، هو بين خط كولن باول الذي يمثل الاميركيين الاميركيين ومصالحهم، وخط اليهودي رامسفيلد الذي يمثل اليهود الصهاينة في كل انحاء العالم، ومنهم الاميركيون الصهاينة، فخط الاميركيين الاميركيين، هو الذي يدرك ان مصلحة الولايات المتحدة تكمن اولا في تخفيض مستوى الكراهية ازاءها، في منطقة تتركز فيها مصالح واشنطن بشكل اساسي.
وهو الذي يدرك ان تنامي الاصولية المتطرفة، متلازم مع تنامي هذه الكراهية اي مع تنامي الاحساس بالظلم والاضطهاد وبانحياز اميركا لاسرائيل.
اما خط الاميركيين الصهاينة فهو ذلك الذي لا تعنيه المصالح الاميركية الا بقدر ما تخدم مصالح اسرائيل والسيطرة اليهودية على العالم، ومصلحة اسرائيل تقتضي دون شك تدميرا اكثر للقوة العراقية – ليس فقط القوة العسكرية – وانما ايضا القوة البشرية والاقتصادية والوجودية.
وقد تقتضي هذه المصلحة لاحقا اضعاف سورية، ومصر، وتدمير حزب الله، ومعاقبة اليمن المدانة بذنبين: مساندة العراق في حرب الخليج، وضرب المدمرة كول تعبيرا عن التضامن مع الانتفاضة.
واذا ما عدنا الى ما قبل حرب حزيران، لوجدنا ان الولايات المتحدة لم تكن تراهن على اسرائيل وحدها في المنطقة، بل ان موقفها في عدوان الـ 56 يدل على ذلك.
لكن حرب حزيران منحت اسرائيل موقعا مزدوج الاهمية بالنسبة للاميركيين: فهي اولا قد ظهرت بمظهر الحليف الاقوى في المنطقة، وثانيا الحليف الاقل تكلفة والاكثر ضمانا.
لكن التحولات التي حصلت منذ حرب الخليج الى الان تؤشر الى ان هذين المعيارين لم يعودا قائمين، خاصة مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
فما الذي يبقي التمسك والتفضيل على حاله، بل واكثر قوة؟
الامر لا يحتاج الى علم، ليكون الجواب انها قوة وهيمنة اللوبي اليهودي التي تحل محل قوة المصالح الاميركية، في تحديد موقف واشنطن.
من هنا يولد موقف بعض الاميركيين، من مثل كولن باول ومن حوله، الذين لا يحركهم حب اخوي للعرب، ولا شفقة على مصيرهم، او انسانية طاغية، وانما انتصار للمصالح الاميركية الخاصة، بشكل منفصل عن مصالح اسرائيل واللوبي اليهودي المسيطر على السياسة الاميركية، والمبتز لها.
وهنا، وبمعايير هؤلاء قد تلتقي السياسة الخارجية مع سياسة اسرائيل وقد تتباعد، وكذلك هو الامر بالنسبة للعرب.
ولكن.. هل يكفي ذلك للتفاؤل؟ لا دون شك، ولاسباب ثلاثة:
* اولا قوة اللوبي اليهودي الموالي لاسرائيل، دون تحفظ ولليمين الاسرائيلي تحديدا.
* الغياب العربي عن التأثير في القرار الاميركي، وترجيح كفة على اخرى.
* الطبيعة المعروفة عن كولن باول، بانه واضح الرؤية، محدد الموقف، لكنه لا يلبث ان ينصاع لقرار الجهة الاعلى او الاقوى، حتى ولو سار في عكس اتجاهه.