قبل يوم من اجتماع وزراء الخارجية العرب، ويومين من اجتماع الدول الاسلامية، جاءت الضربة الامريكية ربما لتضع الجميع امام الامر الواقع.
لكن ثمة نتيجتين اوضحتهما بداية هذه العمليات العسكرية، التي لا يستطيع احد التنبؤ بمدى ما ستتسع لتشمله، ولا بنهاياتها.
الاولى هي تبلور التحالف القائم حول الولايات المتحدة الامريكية، بحيث يتأكد اكثر فأكثر كونه اوروبيا ـ امريكيا، اي غربيا، حيث لم تعد بريطانيا وحدها هي الشريك الملتزم الى جانب الولايات المتحدة، بل ان فرنسا واستراليا والمانيا وكندا وروسيا قد ثبت انضمامها الى الهجمة، بل ان كلا من هذه الدول، وقد عجزت في العمق عن احتلال موقع الشريك كما هو حال بريطانيا ـ التي هي في الحقيقة العقل المدبر للاميركيين ـ قد قبلت بل توسلت موقع التابع، المستجدي لحق تقديم الخدمات.
هذا في حين لم يتبلور في المقابل تحالف مضاد، كما لم يتبلور تأييد واضح، في المعسكر الآخر، وبمعنى آخر، لقد بدا الشمال واضح الرؤية والموقف، في عدائه للجنوب، والتقائه على محور واحد، هو الاشتراك في تحقيق الهيمنة، بالقوة، وصولا الى اقتسام الكعكة، المتمثلة في ثروات الجنوب كله، والى منع قيام اية قوة اخرى تهدد هذه الهيمنة. في حين بدا الجنوب مبلبلا، ضائعا، بين حكام لا يجرؤون على معارضة الولايات المتحدة وحلفائها، ولا يستطيعون ذلك، وبين شعوب مقهورة، مصادرة الحقوق، ولذلك فهي تتعاطف مع كل مقهور ومظلوم ومستهدف.
ولعل ما يلتقي فيه الحكام مع الشعوب هو وعي الاستهداف، ولكن دون الالتقاء على مقاومته او رفضه والسبب الرئيسي في ذلك، هو غياب الديمقراطيات الحقيقية التي تجعل الحكم تعبيرا عن الشعب، وتخلق اللحمة بينهما حول المصالح الوطنية.
اما النتيجة الثانية التي اتضحت، فهي ما جاء على لسان الرئيس الامريكي نفسه، من ان هذه الحملة لن تقتصر على افغانستان، وانها ستمتد لتشمل جميع »التنظيمات الارهابية والدول التي تؤوي الارهاب« بحسب تعبيره.
والسؤال الرئيس المنبثق عن هذا القول، هو: من هي هذه التنظيمات ومن هي هذه الدول؟
سؤال لا يمكن الاجابة عليه الا اذا حددنا معنى مصطلح »الارهاب«، وهو تحديد لم يصدر له من تعريف حتى الآن الا ما يمكن استنتاجه من مقولة اخرى للرئيس الامريكي هي »ان على الجميع ان يحدد موقفه اما معنا واما مع الارهاب« مما يعني انه سيعتبر ارهابيا كل من يعارض الولايات المتحدة الامريكية، او حتى كل من لا يدعمها ويقاتل معها.
واذا ما سحبنا ذلك على ما يخصنا نحن، وما يعنينا بالدرجة الاولى، فان الدول والجماعات العربية المرشحة للاستهداف كثيرة، في مقدمتها العراق وسوريا ولبنان، واذا كانت هذه الدول مرشحة بكلها، فان الدول الاخرى مرشحة لما هو امر واقسى، اي للاقتتال الداخلي المدمر، حيث سيطلب الى كل نظام قمع »ارهايييه« من داخل، مما سيضع الشعوب بغالبيتها في مواجهة حكوماتها واجهزتها، ومؤيديها، وهو اسوأ ما يمكن ان يصل اليه حال شعب.
وباختصار، سنجد انفسنا كدول عربية، اما مرشحين لضربة خارجية، واما مرشحين لحرب اهلية.
واذا ما مضينا بعيدا، في عمق التحليل، الذي يستوجب حكما الوصول الى اللحمة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة واسرائيل، بل والصهيونية العالمية، وقوة ودور اللوبي اليهودي ليس في الولايات المتحدة وحدها بل وفي اوروبا ايضا، فاننا يمكن ان نصل ايضا الى خطورة السيناريو الذي نجم عن هجمات نيويورك فيما يتعلق بنا.
قد تبدو هذه الصورة سوداء مأساوية لكنها من جهة الحقيقة التي لا بد من مواجهتها، ومن جهة اخرى، فهي ليست قدرا ولا حول ولا.. اذ تمتلك الدول العربية، ومعها الدول الاسلامية، التي تواجه المخاطر ذاتها، امكانيات كثيرة للخروج من المأزق.
امكانيات تبدأ اولا بتحديد معنى واضح ومتفق عليه من مفهوم الارهاب، وفصله كليا عن المقاومة الوطنية بالدرجة الاولى، اما الدرجة الثانية فثمة سلسلة اخرى من الخطوات الجريئة التي يتوجب اتخاذها، سواء على صعيد التنمية، او توزيع الثروة، او الديمقراطية وحقوق الانسان.
وليبدأ مؤتمر الغد وبعد غد بالخطوة الاولى على الاقل، تعريف الارهاب، وفرض مؤتمر دولي لتبني هذا التعريف.