” المفلس يعود الى دفاتر جده..”
اهو امر من باب تطبيق هذا المثل؟
وهل ان اسرائيل والصهيونية قد افلستا فلجأ شارون الى دفاتر جده؟
ام انه اعتياد المجرم على تبرير نفسه بالتذكير بأذى لحق بأبيه، واعتياد الساقطة على تبرير غيها بضغط او خطأ الاخرين؟
ايا يكن الامر فان لجوء شارون الى استحضار ذاكرة الحرب العالمية الثانية، عبر مقارنة بوش بشامبرلين، واسرائيل بتشيكو سلوفاكيا، واعلان بوش عن القبول بالدولة الفلسطينية بتخلي الحلفاء عن تشيكو سلوفاكيا لالمانيا النازية في مؤتمر ميونيخ، هذا اللجوء ان هو الا لعبة مكرورة ممجوجة، وحيوان اعرج مشوه.
هذا التشبيه يقوم على ثلاث قوائم: الاولى هي الحلفاء، الثانية اسرائيل وتشيكو سلوفاكيا، والثالثة هي المانيا النازية والعرب. فان القائمتين الاخيرتين وهميتان لا وجود لهما، فلا اسرائيل هي تشيكو سلوفاكيا ولا العرب هم النازيون، بل ان العكس هو الصحيح تماما، لان وجه الشبه الحقيقي قائم بين الصهيونية والنازية، بين شارون وهتلر، مع ما في هذا الشبه من ظلم للنازية، حيث ان الفكر العنصري الاستعلائي التوسعي موجود لدى الحركتين، لكن النازية اعتنقت فكرها (وإن مداناً) على ارضها، وفي بلادها، ولم تلملم العنصريين من كل انحاء العالم لتجعل منهم تكتلا اسمته شعبا المانيا، جاء يطرد الالمان الحقيقيين من ارضهم. كما فعلت الصهيونية، ذاك شعب المانيا، له بلاده وهو لها، حكمته لفترة فئة سياسية ذات نظرية عنصرية، وعندما ذهبت النظرية، ظل الشعب هو هو، واحدا من اعرق الشعوب الديمقراطية في اوروبا.
وهذا لمم من غيتوهات، رفضت بحكم الايمان العنصري الانتماء لشعوبها، التي تعيش بينها آلاف السنين، واصرت على ان تتجمع في حركة ارهابية استيطانية احلالية، تطرد بالنار والدم سكانا آمنين من بلادهم او تبيدهم.
من هنا فاسرائيل ليست تشيكو سلوفاكيا الآمنة، التي جاءها غزاة يطمعون في ضمها، وهي، وان كانت تشبه هذا الغازي نفسه في ايديولوجيته الا انها تتجاوزه سوءا ولا تماثله في اساس مشروعيته الوطنية.
اما القائمة الثانية في المقارنة، العرب، والفلسطينيون، فهؤلاء ليسوا المانيا ولا النازية، انما هم اشبه بسود جنوب افريقيا، او بأي شعب آمن، الفي الحضارة، سلمي الثقافة، يهبط عليه في عتمة من ليل التاريخ شراذم مجرمة، تريد ان تجتثه من ارضه، ان تستعبده وتقضي على وجوده وحضارته. ويتكرر الاعتداء الوحشي يوميا منذ ما يتجاوز ثلثي القرن من التاريخ.
فأي وجه شبه بين شعب معتدى عليه، مهدد، وبين القوة النازية؟!
وحتى، خارج جميع هذه المقارنات التأسيسية الحقوقية، فان مجرد ميزان القوى، هو عرج آخر في تشبيه شارون، لان اسرائيل هي الثكنة العسكرية النووية التي تهدد العالم العربي، وهي القوة المحتلة التي تذبح الناس شبه العزل.
فأية مقارنة هذه التي تقوم على وجوه شبه كلها مقلوبة، وتقف على قوائم اما مكسورة او وهمية؟!
غير ان الجانب الاهم في هذه القضية هو هذه العودة المعلوكة المملة، لاحداث الحرب العالمية الثانية، والتي ما كان لليهود ان يمزقوا المناديل ويشقوا الثياب نادبين حولها، كلما مروا بمأزق، او كلما أرادوا ابتزاز العالم بدون وجه حق، لو ان تاريخ هذه المرحلة قد ظهر على حقيقته، وما كان للصهيونية ان تتجرأ على اثارته لو ان حقيقة التعاون الصهيوني – النازي قد وضعت تحت الضوء الكشاف، فهذه الحادثة التي يشير اليها شارون جاءت عام 1938، في حين ان التعاون المذكور كان قائما منذ 1933 سواء عبر اتفاقية الهافارا، او عبر التنسيق بين الهاغانا والاجهزة السرية النازية، او بين هذه الاجهزة والموساد فيما بعد.
ورغم كل التعتيم الذي فرضه الارهاب الصهيوني على كل ذلك، كما على تزوير اسطورة الهولوكوست، فان اوروبا، الشعبية على الاقل، قد ملت هذه الاسطوانة المشروخة، وباتت تعبر عن ضيقها بهذا اللطم المفتعل، وبمحاولة تغذية عقده ذنب عفى عليها الزمن والتاريخ.
واذا كان الباحثون يؤكدون ان ارتفاع منسوب اللطم على الحرب العالمية الثانية وعلى اسطورة الهولوكوست، يستند بتناسب مطرد مع ارتفاع منسوب جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين والعرب فان ذلك لا يعني فقط عملية تغطية، وانما ايضا احساس ضمني بالجريمة وبعدم امتلاك الحق.
ويبقى الرهان هنا على قياداتنا، وسياسيينا في كيفية الرد، وكيفية الامساك بطرف خيط ارهاصات التضارب بين المصالح الغربية والمصالح الاسرائيلية.