لماذا يكرهوننا؟

شؤون دولية، 03-10-2001

بيير تريستام، كاتب اميركي يتساءل بسخرية مرة عما يسميه «براءة» الاميركيين الذين لم يكفوا منذ 11 ايلول، عن طرح السؤال: لماذا يكرهوننا؟ اما من هو الفاعل والمفعول في هذه الجملة الفعلية الكلمة: فأمر غير محدد، المكروه هم الاميركيون بدون تحديد، والكارهون هم الاخرون بدون تحديد.

واذا ما دل ذلك على شيء، فعلى ما يسميه تريستام: »ايمان الامة العميق، بطيبتها..« لكنه يضيف »انه يعكس ايضا جهلها، الذي يجعل رضاها عن نفسها رضى كاملا، حتى ولو ان امبرياليتها المالية والعسكرية تسيطر على العالم كما لم يسبق في التاريخ..«.

وبعد هذا التحليل الذي يمزج الحقيقة بالسخرية المرة، يقول تريستام:

»انهم يكرهوننا، لاننا على درجة من الجهل تمنعنا من طرح السؤال، وعلى قدر من الكبرياء يمنعنا من ان نتغير«.

وفي مقال اخر كتبه ارونداتي روبي في اوت لوك، يقارب الكاتب التساؤل نفسه، ولكنه يتجاوز الى الاجابة، مستعرضا عدد الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة ضد دول العالم، بشكل عدوان مباشر، فاذا الحصيلة مذهلة في عددها وحجمها ومجرياتها.

ومستعرضا اساليب وكم الابتزاز الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه بلاده ضد الشعوب والدول، وان الحصيلة سيل لا يمكن ان يصب الا في بحر الكراهية.

كاتبة فرنسية تتناول بالتحليل المقال الاول، وتغوص في عمق قضية اخرى، هي اهمال النهج الاميركي للانسان كقيمة، وتعطي نموذجا لذلك ان الايمان بالتفوق المطلق القائم على التكنولوجيا، وحلولها محل الانسان، قد اثبت انه وهم تفوق ذو نتائج قدرية سيئة. واذا كانت احداث 11 ايلول قد اثبتت ذلك على مستوى اجهزة الاستخبارات التي تملك دون شك افضل تجهيزات في العالم، لكنها ظهرت امام الارهاب ذات قدرات وفعالية من الدرجة الثانية او الثالثة. فان المجمعات الصناعية والصناعية العسكرية الكبرى، ما زالت تراهن على فزع الاميركيين ورعبهم، لتجعلهم يقفون وراء الكونغرس المدفوع الى صرخة »آمين«.

وفي الوقت الذي يوافق فيه على تخصيص 22 مليار دولار لانشاء طائرات مقاتلة جديدة، ويعلن البنتاغون عن اكبر صفقة اسلحة في تاريخه: اربعمئة مليار دولار لانشاء ستة آلاف قاذفة جديدة – في الوقت نفسه تقوم الخطوط الجوية المدنية بصرف 25 الفا من موظفيها.

في الوقت الذي تحمل فيها انباء الاحصاءات ان مبيعات الاسلحة قد ازدادت بنسبة ثلاثة اضعاف في فلوريدا، تحمل الانباء نفسها ان مبيعات البروزاك »دواء مضاد للانهيار العصبي« قد ازدادت بنسبة مليوني علبة.

في الوقت الذي يهيأ فيه لزيادة الضرائب، لتمويل تطوير وسائل المراقبة الامنية، وزرع كاميرات متطورة عند كل زاوية شارع، يزداد في هذه الشوارع نفسها، عدد المتسولين والمتشردين وبائعات الهوى، والنشالين والمجرمين.

في الوقت الذي تضيف فيه شروط تصدير ادوية علاج الايدز الى الدول الفقيرة، ترتفع فيه نسبة المخدرات والمرض في اميركا نفسها.

فإلى اين تمضي امة لا تكره العالم كله فحسب، بل تكره نفسها وناسها؟

واي تغيير سيتمكن هؤلاء المفكرون والمثقفون النخبة ان يحدثوه عندما يحاولون ان يقدموا الاجابة عن سؤال: لماذا يكرهوننا؟

هل بامكانهم كبشر عاديين ان يتصدوا للإله الرهيب، الذي احلته الرأسمالية الاميركية محل الله، إله السوق؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون