يحاول العالم ان يحتمي من جنون بعضه وعنت بعضه الآخر بالاصرار على ان تتم مكافحة الارهاب تحت مظلة الامم المتحدة.
لكن المنظمة الدولية تقفل مظلتها، تضمها وتحولها الى عكاز يؤشر الى شيخوختها وعجزها، وتفوض لاي دولة ان تلجأ الى الحرب ضد الارهاب دون الرجوع الى البيت الزجاجي.
واذا كان اول سؤال ينبع من الاسترجاع التاريخي هنا، هو ان اطلاق الكثيرين على ما يحدث اليوم اسم الحرب العالم الثالثة، يذكر بان الحرب العالمية الثانية كانت العصا التي قصمت ظهر البعير الذي كان يدعى عصبة الامم، فهل ستكون الثالثة الحمل الذي ستبرك تحته خليفتها التي استبدلت العصبة بالمتحدة؟
واذا كانت الامم المتحدة جمعية المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، فمن سيكون المنتصر في الثالثة، كي نتمكن من تحديد شكلها الجديد؟
حتى الان، الذي خرج منتصرا من الحرب الباردة ثم من حرب الخليج هو الولايات المتحدة الامريكية ولذلك فانها هي التي تدير الامم المتحدة وتسيرها كما تريد، حتى ولو حافظت على شكليات اتحاد الامم.
فهل سيبقى الحال على ما هو عليه من الشكلية الجماعية والاحادية الفعلية، ام ان هناك تحولا سيطرأ حتى على الشكل؟
اما الخطوة البالغة هنا، فهي ان عالما يمور بالظلم وغياب العدالة وبالتالي يخزن الحقد والغضب منذ قرون، كان بالامس القريب يعبر عن نفسه سلميا في دوربان، في اطار الامم المتحدة، ولعله الحقد نفسه هو الذي غير تعبيره من السلم الى الارهاب والدمار عندما خرج عن هذا الاطار، فاي مصير يتهدد العالم اذا الغيت المرجعية الدولية الشرعية واطلقت يد القوي ضد الضعيف، مما لن يؤدي الى سحق هذا الاخير، بل الى حشره في زاوية السحق، فيصبح اكثر تهيؤا للارهاب.
مخطىء من لا يقيم علاقة بين صرخات متظاهري دوربان، وصراخ الضحايا المساكين في منهاتن.. كلاهما ضحايا، وكلاهما مساكين ابرياء، والجلاد هو هو: روما تأمر بصب الرصاص في حلوق الاسرى من البرابره، وحمل رؤوسهم على طبق، وسائر البرابره يلويهم القهر فيتجمع حقدهم الجمعي كله في صدور افراد يقدمون على الانتقام.
ممن؟ قد الابرياء هم الذي يدفعون الثمن ولكن ثمة كائن جمعي لروما، يجب ان ينتبه قادته الى ان مصير ابريائه لا يمكن ان يكون مفصولا عن ابرياء العالم.
ولذا فان الحل لا يتمثل ابدا في الانتقام، الحل هو في البحث عن الاسباب، ومحاولة معالجتها، ولا يفسر ذلك بانه خضوع للارهاب وانما هو انتباه الى وجود العدالة والكرامة، وحق الناس فيهما كما في سائر القيم والحقوق، التي يتمتع بها كل الناس الذين »ولدتهم امهاتهم احرارا، فاستعبدوا«.
غير ان السؤال الاخير والذي يهمنا اكثر من سواه على الصعيد التطبيقي، هو حول شريعة الغاب التي اطلقت في هذا العالم بحيث تستطيع كل دولة تمتلك القوة ان تضرب دولة او مجموعة اخرى، بحجة مقاومة الارهاب، بصرف النظر عن صحة مضمون هذه التهمة، طالما ان الامم المتحدة لم تعقد مؤتمرا دوليا يتفق فيه على تعريف رسمي مشترك للارهاب، فماذا لو هاجمت اسرائيل غدا لبنان او سوريا، او مصر، او العراق، او اية دولة عربية اخرى بحجة مكافحة الارهاب؟
اوليس من دور على الجامعة العربية ان تلعبه هنا؟
وهل بامكان الجامعة ان تلعبه فعلا بدون دعم وتحرك الدول العربية الاعضاء؟
هل يكفي هذه الدول تحركا، ان تقدم التعازي للولايات المتحدة وتجهد في افتعال الدموع الهدارة لتلافي الخطر القادم؟
فاذا كان ثمة شك في ان تلقي واشنطن لدموع العرب بالا تلقيه لنفطهم ومواقعهم الجغرافية، فان ما من شك اطلاقا في ان اسرائيل تشحذ سكاكينها للانقضاض، حين ينتهي التحييد الذي تفرضه عليها امريكا، لحاجتها للعرب.
شبكة فيها الكثير من التعقيد لكنه تعقيد يمنح فرصة جيدة للعب الديبلوماسي والسياسي الحقيقي.