ليس نبأ اصدار مذكرة التوقيف بحق مروان البرغوثي الا اول الغيث. وليست المطالبة بمسؤولين من مناضلي حزب الله الا مثله. فتلك امور كان من المفترض توقعها منذ اطلقت معزوفة الارهاب على مستوى العالم، وكان اول من ساهم في اطلاقها الاسرائيليون والمنظمات اليهودية التابعة للوبيهات في الغرب.
فالارهاب ليس اختراعا جديدا اذ انه موجود منذ بداية لجوء الانسان الى العنف تنفيذا لمآربه. لكن هذا اللجوء ينقسم الى فئتين: اولئك الذين يلجأون الى العنف لان ما يريدون تحقيقه امر غير مشروع يتناقض مع القيم والقوانين الدولية والفردية، فكما ان السارق ارهابي، والقاتل ارهابي، فان الذي يسرق وطنا، او يقتل شعبا، او يحاول ابتزاز مجموعة او شعب لضمان احتلال او مصادرة حقوق او فرض ارادة غير مشروعة، هو ارهابي بامتياز.
وكما ان هناك ارهاب افراد تعاقب عليه جميع القوانين، فان هناك ما هو اسوأ، اي ارهاب الدولة الذي يعاقب عليه القانون الدولي ايضا.
اما اللجوء الثاني الى العنف، فهو لجوء المحتل الى تحرير ذاته وارضه، ولجوء الشعوب المظلومة الى مقاومة الظلم، وذاك اسلوب طالما مجدته البشرية منذ تكون مجتمعاتها واممها. واعطته لقبا واحدا بسيطا هو المقاومة.
هذه البديهيات، لا تحتاج الى فلسفات او مرافعات، وتبدو من باب المسلمات التي لا تستحق الاعادة، لكن واقع الامر انها وللأسف تنقلب الى امور تحتاج الكثير من الجهد لاثباتها، والا نعت المقاوم بالارهابي، ونعتت حركة التحرير بالارهاب.
وبما ان هذا الخطر ليس امرا جديدا، فقد كان على الدول العربية ان تضعه في رأس سلم اولوياتها منذ اكثر من ثلاثة عقود، كي لا يختلط الحابل بالنابل ونصل الى ما وصلنا اليه اليوم، خاصة وان اسرائيل كانت تعمل بشكل حثيث، على وضع نفسها في معسكر مقاومة الارهاب، في حين يفترض ان تكون هي على رأس قائمة الارهاب الذي تجب مكافحته. وذاك في نشاط متعدد الجبهات نورد منه مثالين:
الاول ما اورده بنيامين نتنياهو في كتابه الذي نذكره كثيرا هذه الايام، عن مؤتمر بادرت اسرائيل الى الدعوة اليه في تل ابيب، في بداية الثمانينات تحت عنوان »مكافحة الارهاب« حضره عدد كبير من الشخصيات العالمية ومنها جورج شولتز، وجورج بوش الأب وغيرهما من الاميركيين والاوروبيين.
والثاني مؤتمر آخر عقد في باريس عام ،1986 تحت عنوان »الدولية لمكافحة الارهاب«، وكان منظمه هو هنري هاجدنبرغ الذي يرأس اليوم المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا، غير ان هاجدنبرغ هذا هو المعروف بدوره في تحويل الطائفة اليهودية الفرنسية الى لوبي ضغط سياسي عبر منظمة التجديد اليهودي، التي اتضح انها كانت تعمل باشراف آفي بريمور، مكلفا من قبل الوكالة اليهودية، والمنظمة الصهيونية، واسرائيل، حيث كان وجوده في باريس تحت مهمة المستشار الثقافي في السفارة الاسرائيلية.
المؤتمر المشار اليه عقد في احد الفنادق الفرنسية وشارك فيه عدد بارز من الشخصيات الفرنسية ومنهم ليونيل جوسبان رئيس الوزراء الحالي.
مثالان، من عشرات، بل مئات عملت اسرائيل ومن ورائها اليهودية العالمية، على وضع الدولة العبرية في صف مكافحة الارهاب، والصاق هذه السمة المرفوضة بالعرب والاسلام.
وماذا كنا نفعل نحن في طوال العقود الثلاثة الاخيرة، ازاء هذا الموضوع؟
لقد ركبت الطبخة الى ان نضجت ونحن لاهون عن خطورة أكلها. واذا كانت امانة التاريخ تقتضي الاعتراف بان سوريا والرئيس الراحل حافظ الاسد، كانت الجهة العربية الوحيدة التي ألحت باستمرار على ضرورة تحديد معنى الارهاب. فان الحاحها هذا لم ينجح في التحول الى موقف عربي واحد وضاغط.
وها نحن الآن نجني ثمار التلكؤ.
فهل يتنبه المسؤولون العرب، ولو متأخرين الى تعويض ما فات، وثمة وسائل متعددة منها عقد قمة عربية لهذا الغرض، ومنها ربط دعمهم للولايات المتحددة بالتمييز بين الارهاب والمقاومة الوطنية.