الثالث المستفيد

العراق، 20-09-2001

لو ان الرئيس الاميركي تحدث عن “حرب صليبية”في الايام الاولى للكارثة، لقلنا انها، وعلى طريقتنا العربية، فورة دم. وبالتعبير السياسي الادق تخبط يجعل الرجل الاول في اول دولة في العالم لا يسيطر على ردات فعله كما يجب، ولا يزن اقواله كما تستحق.

اما بتعبير علم النفس، فيمكن القول انها زلة لسان، يعطيها العلم مصطلحا خاصا هو “Lapsus” وهو مصطلح يعني تحديدا الكلمات التي تفلت من صاحبها بدون قصد، ولكنها تكون في الواقع قد اجتازت الحاجز الفاصل بين اللاوعي والوعي، في غفلة من الرقيب النفسي المسيطر باستمرار على ذلك الحاجز.

ولكن، ان يقولها في اليوم السادس للاحداث، وبعد ان اصبح بامكانه ان يقف باسما او شبه باسم في مؤتمر صحفي طويل، وان يقولها وقد اتضحت خطة الرد »طويل الامد«، اي وقد اتضح قرار الحرب، وبدأت حملة الاعداد النفسي لتنفيذه، فذاك امر بالغ الخطورة، ليس فقط على ما يتصوره البعض من مواجهة شرق مع غرب، وعالم اميركي اوروبي مع عالم اسلامي. بل وعلى المجتمعات، كل بدوره، واحدا، واحدا، بدءا من المجتمعات الاميركية الاوروبية، وانتقالا الى مجتمعات العالم الثالث والعالم العربي.

فاين يمكن ان نجد مجتمعا من هذه جميعا، لا يقوم استقراره، على توازن داخلي بين الاصول والاديان.

ولكن

ان يكون اول من تنبه الى هذه الخطورة ونبه لها، هو الرئيس العراقي، فذاك امر لا يقدم فقط مقابلا واعيا للزلة الاميركية، ولا يقدم فقط فهما واعيا لخطورة المس بالتوازنات، بل يتعدى الى امور اخرى اساسية:

اولها ان مجتمعا شكل الحضن الاول للحضارة الانسانية، وامتلك شرطين هامين: شرط كونه الموقع الجاذب لاكبر عدد من الهجرات والمكونات الاثنية والدينية، وشرط المسافة التاريخية الكافية لجعله مصهرا تذوب فيه التعدديات كلها في وحدة قومية حضارية، هو المجتمع القادر على تجسيد معنى التسامح، داخل الوحدة الوطنية، وخارجها ازاء الآخر.

وثانيها، وهو مبني على الاول، ان قيادة مسؤولة تعرف المعنى الخطر لطرح الامور على اساس تمييز ديني او عرقي او مذهبي، فيما يشكل جوهر العنصرية التي اعلن العالم كله وقوفه ضدها في دوربان قبل اسابيع.

وثالثها، والاكثر خطورة، هو ما قاله الرئيس العراقي، من ان تحويل الحرب الى صليبية – اسلامية، سيجعل اليهود الطرف الوحيد الواقف خارجها، والمستفيد منها.. يقفون كما تقول توراتهم: يصفقون بايديهم، ويطبون بأرجلهم لخراب مدن الاغيار.

لذا فان الرد العاقل، والحضاري، هو رفض هذا الطرح جملة وتفصيلا، اساسا ونتائج، انطلاقا من هذا الوعي الواضح، ولا يجوز مطلقا ان يكون الرد ذاك الذي عبر عنه بعض الموتورين او غير الحكماء، من التهديد بسلوك مقابل مشابه.

فاذا كان بوش قد اخطأ وهو يشحن ناسه، ليصب خطأه في حضن اليهود، فلا يجوز ان تقوم فئة من المسلمين برد يصب بدوره في رصيد اسرائيل.

واذا كان هناك من يقول بان عذر بوش، في مصاب بلاده، فانه مصاب لم يبلغ بعد شأو الظلم والقهر الذي اصاب العراق، دون ان يجرد قيادته من وضوح الرؤية، وحس المسؤولية.

كذلك، فاذا كان هناك من يقابل واقع المزيج الانساني في العراق والهلال الخصيب، بالمزيج التعددي في الولايات المتحدة، فان اختلاف شرط الزمن وعمر الانصهار يظل تفسيرا صالحا لفارق النضج بصرف النظر عن القوة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون