ما الذي ستطاله الضربات الاميركية المتوقعة؟ بل والخطة الاميركية، لأن الحديث لا يدور عن ضربة صواريخ تصورها وسائل الاعلام ـ على حد تعبير المسؤولين الاميركيين ـ بل عن عمليات طويلة الامد ومستمرة.
فالولايات المتحدة لا تريد ان توجه ضربة سيكولوجية “تحدثنا عنها في زاوية الامس”لامتصاص نقمة الشعب الجريح، ولاعادة التوازن الى الهيبة المكسورة، فحسب، بل وتريد ايضا ان تجعل من الخسارة مدخلا للربح.
خسارة داخلية، وهيبة مكسورة يعوضهما نشر الهيمنة الامريكية بشكل اوسع، على امتداد العالم، ودمار الآخر بشكل يعوض الهيبة المفقودة.
ولكن، اذا كانت القدرة على ايقاع الدمار محسومة، وبالتالي كان التدمير وارد، فان استعادة الهيبة بما يعني بسط النفوذ والهيمنة اكثر، قد لا يكون مضمونا، وذلك لعدة اسباب في مقدمتها المواقف الاوروبية والدولية.
فحتى الآن لا تبدو الدول الاوروبية، باستثناء بريطانيا الرسمية »والرسمية فقط« لأن المعارضة حادة ومعلنة ضد المشاركة في حرب اميركية ـ لا تبدو متحمسة اطلاقا لخيار الحرب.
والذي راقب شاشة التلفلزيون الفرنسي على سبيل المثال، شهد خلال الايام السابقة حملة نشطة في استضافة عدد كبير من المسؤولين السابقين »رئيس جمهورية، قائد جيش، رئيس هيئة اركان، سفراء« ومن الكتاب والمحللين السياسيين، واخيرا من المسؤولين الحاليين خاصة وزير الخارجية هيوبرت فدرين، الذين التقوا ـ رغم بعض الاختلافات التفصيلية ـ على التأكيد على فكرة اساسية هي ان ضرورة مكافحة الارهاب، لا تعني ابدا ان هذه المكافحة يمكن ان تتم بواسطة الحرب، وانما بفضل تشجيع التنمية في دول العالم الثالث، لأن الفوارق الاقتصادية والتخلف والفقر هي التي تشكل البيئة الصالحة لنمو الارهاب، حتى ان رئيس الاركان قاطع المذيعة عندما استعملت كلمة »حرب« قائلا: الافضل استعمال كلمة »صراع« او »مكافحة«.
بعد فرنسا، جاء دور سويسرا التي خصص لها هذا التلفزيون الذي يبث بثا خارجيا، يوما كاملا، واذ مواقفها لا تختلف كثيرا عن المواقف الفرنسية. كذلك المانيا، التي مضى وزير خارجيتها حد القول بان بلاده غير مستعدة للمشاركة في عمليات مبنية على مجرد شكوك.
واذا كان التبرير المنطقي لهذه المواقف لا يعود فقط الى موقف اخلاقي انساني، بل الى جملة اسباب سياسية، خارجية وداخلية، من اهمها، التوازن الداخلي الهش الذي تقوم عليه هذه المجتمعات مع واقع الهجرات الموجودة على ارضها، والضربة التي يشكلها تفعيل المادة الخامسة من ميثاق حلف الاطلسي، لتوجه الاستقلالية الاوروبية.
اسباب تفتح الباب امام عمل ديبلوماسي، سياسي، مبني على لعبة المصالح وتوازنها، التي تقوم عليها السياسة الدولية، عمل يفترض بالسياسة العربية ان تخطط له، وبالديبلوماسية ان تعمل عليه منذ الآن.
وفي انتظار ذلك، لن يكون من المستبعد ان نتوقع ان تطالنا نحن العرب، وفي اكثر من موقع الضربات الاميركية، الطويلة النفس: من العراق الى البقاع اللبناني، الى سوريا، الى السودان، الى الجزائر.. الخ. وذلك ما لم تخفه المصادر الاعلامية الاميركية.
وسواء كان اعلانه من باب الضغط والتهويل المعنوي لاجبار الدول العربية على الدخول في تحالف قوامه ما قاله كولن باول للسفراء العرب: »اما معنا واما ضدنا«، او كان هذا الاعلان يعبر عن محطات حقيقية في العملية العسكرية، فان علينا الا ننسى ان بطانة التفكير والتحرك السياسيين الاميركية هي دائما يهودية صهيونية.