تقصير امام القشرة!

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 17-09-2001

ثمة حقائق سيكولوجية سياسية، كشفت عنها الاحداث الاخيرة، او اكدت ما كان منها معروفا ومكشوفا:

اولها سلطة الاعلام وديكتاتوريته، وثانيها الصراع الدائر على الساحة الامريكية نفسها بين اللوبي اليهودي واللوبي العربي الاسلامي، والذي يشكل انعكاسا للصراع الاكبر والاساسي على ارض فلسطين وما حولها، وثالثها التقصير الاعلامي العربي، خاصة في الحضور على الساحة الدولية، وبلغات الاخر وبالخطاب الصالح للتوجه اليه، ورابعها التقصير العربي المتمثل في اهمال تضخم بعض القضايا، ككرة ثلج، دون التصدي لها ومعالجتها قبل الوصول الى نقطة استخدامها ضدنا بشكل قاتل، وخامسها ان لكل حدث ضخم، كل صراع كبير ينشب في مكان ما من هذا العالم انعكاسا كبيرا على صراعنا الوجودي مع اسرائيل خاصة عندما يكون الحدث في الولايات المتحدة الامريكية بدرجة اولى وفي اوروبا وسائر العالم تاليا.

فبخصوص سلطة الاعلام، يعرف من عايش الغرب، ان من اهم ملامح العقلية التي تسوده ملمح عبادة الميديا، وعباد الواقعية، او ما تصوره الميديا على انه واقعة، مما ينذر بان طابع الفكر النقدي الذي شكل رافعة الحضارة الاوروبية منذ بداية عصور التنوير قدتراجع لصالح ارساء المسلمات او الوقائع، التي يكفي ان تعطى صبغة الموضوعية التي لا تشكل في واقع الامر الا قشرة خارجية، حتى ينحسر التحليل، وتصبح اية دعوة لاعادة النظر او التدقيق امرا مرفوضا بل ومدانا.

فاذا كانت القاعدة القديمة: انا افكر اذن انا موجود، فقد حلت محلها قاعدة: انا موجود في الاعلام اذن انا موجود.

واصبح مجرد طرح فكرة او شخص او حادثة اعلاميا بشكل معين، مع تكرار ذلك، دليلا يغني عن الادلة العلمية المعروفة، مما يعني بالتالي ان اللوبيهات التي تسيطر على الاعلام تسيطر على توجيه الرأي العام، والقرار، والاحداث. اذ تؤمن السيطرة الروحية الثقافية اضافة الى السيطرة الاقتصادية والسياسية.

وعليه، فما ان خرج وزير الدفاع الاسرائيلي بعد ساعة واحدة من التفجيرات ليتهم العرب والمسلمين، حتى تحركت الالة الاعلامية اليهودية العالمية وفي مقدمتها السي ان ان لترسخ الفكرة بالتكرار وبصرف النظر عن الادلة، التي »اعطيت صفة الموضوعية التي لا تشكل الا قشرة خارجية« قوامها وجود ركاب عرب على الطائرة او كون بعضهم يدرس الطيران، او ان قرآنا كريما وجد في احدى السيارات وكتاب »تعلم الطيران« بالعربية وهنا يبدو جليا انحسار الفكر النقدي والتحليل، من مثل: هل القرآن كتاب ارهاب.؟ ام هل ان تعلم الطيران بهذه الدقة يتم بكتاب دليل مبسط؟ وطالما ان هؤلاء يدرسون في الولايات المتحدة نفسها، فلماذا يكون الكتاب بالعربية؟ الى ما هنالك من اسئلة لا حصر لها.

وهنا تتبدى ايضا لعبة اعلام »الواقعة« »Fact« حيث يتجاوز الاعلام المناقشة قطعيا ليعتبر ما يسوقه واقعة ويحول البحث الى ما بعدها سواء من تفاصيل او من تفسيرات، طالما ان الاولى اصبحت امرا مسلما به.

امرا لا يصب الا في دائرة الصراع العربي الاسرائيلي، في نهاية الامر، وكما تحول العرب فورا الى موقف الدفاع وموقع المتهم، فقد وضع عرب ومسلمو امريكا والعالم في الوضع ذاته.

ذاك ما لم يكن ممكنا لولا الارضية الفكرية والسيكولوجية المهيأة، فمنذ عقدين على الاقل، والجهود اليهودية والمتهودة في الغرب، تتجه بكل مدروس مبرمج وكثيف الى تعويم مصطلح »الارهاب« والصاقه بالعرب والمسلمين، ومن ابرز ما كتب في ذلك كتاب بنيامين نتنياهو »امن وسلام – استئصال الارهاب« الذي يفصل فيه كيف عملت سفارة اسرائيل في الولايات المتحدة واللوبي اليهودي على ترسيخ هذا المفهوم كما يجري تحليلا يصل في محصلته الى ان الارهاب العربي لم يقم بسبب اسرائيل، بل هو طبيعة مستأصلة في السيكولوجية العربية والاسلامية نفسها.

وفي تعليق للعميد الركن هشام جابر، على شاشة المستقبل، ذكر هذا الخبير الاستراتيجي، كيف انه عندما كان يدرس العلوم العسكرية في الولايات المتحدة، وجاء درس عنوان الارهاب: فاذا بالمحاضر يخلص الى ان الارهاب خاصية عربية اولا، اسلامية ثانية ويابانية ثالثا.

واذا كانت الامثلة هنا كثيرة فان السؤال الاهم هو: لماذا تركنا هذا المفهوم يترسخ في ذهن الفرد الغربي؟ لماذا تركنا اليهود والكارهين يرسمون صورتنا كما يريدون واضعين بذلك الاساس لاستغلال الصورة عندما تحين الفرصة، دون ان نفعل نحن شيئا لمنع التشويه؟ لماذا رضينا بقناع الشيطان دون حملة مضادة؟ وهل كانت العقول العربية والاموال العربية عاجزة، لو وظفت، عن منع ذلك؟

بل هل كان الثمن سيكون اعلى مما سندفعه ثمنا لهذه الصورة؟

اسئلة تقود الى جملة حلول ووسائل، منها ضرورة امتلاك اعلام باللغات الاجنبية: اما في فضائياتنا وصحفنا، واما داخل وسائل الاعلام الاجنبية نفسها، واما في سائر وسائل الميديا من سينما ومسرح وادب وانشطة ثقافية وسواها… مع التركيز على السؤال ماذا سيقال فيها وبأي خطاب..؟

هذا في الاعلام، اما في المجال السياسي فان الملح، الملح، هو الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لتحديد مفهوم “الارهاب”كي لا يصبح كل مقاوم لاحتلال او لظلم ارهابيا.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون