سيرة ومسيرة

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 12-09-2001

يحملان سيرتهما، ومسيرتهما، ويمضيان.. فاذا بهما يحملان فلسطين، ليس فقط بسيرتها ومسيرتها اللتين تحكيان فقط قصة الخروج والشتات الكبير، بل وسيرة وجودها ارضا، وانسانا: زهورا، شجرا، ثوبا، الوانا، معمارا، رموزا، حكايات.. كل ما في خصوصية البيئة مما حملته الطبيعة وما ابدعته يد انسانها عليها.

اسماعيل وتمام شموط اللذان يتأهبان الآن لحمل ملحمتهما الكبيرة الى تركيا، حيث ستعرض مرتين في مكانين، وعلى امتداد اكثر من شهر، لينتقلا بعدها الى مصر، ضمن سلسلة محطات يفترض ان تجوب العالم، لا يحملان فقط ابداعا يحكي سيرة الهجرة الفلسطينية كما يتبادر للنظرة الاولى، بل ويحملان صك ملكية وطنية، (كوشانا) فلسطينيا، ويشهرانه في وجه العالم، لان ملكية الوطن لا تتحقق بالبيع والشراء، لا ولا بالاحتلال والاستيطان، ولا حتى بوعد الهي لم يعد له معنى منذ ايام الطوطم.

ملكية ارض الوطن، هي لشعب كل وطن قصة »عِشرة«.

اجل ففي قواميس الحقوقيين وعلماء الاجتماع والسياسة، كلام كثير، قواعد كثيرة، ومصطلحات كثيرة، يمكن تلخيصها ببساطة بهذه الكلمة »العشرة«.

لان ما يجعل من الشعب »شعبا« بالمعنى العلمي، وما يجعل من الامة »امة« وما يجعل من هذا الوطن وطنا لهذا الشعب، هو السيرة التاريخية الممتدة، التي يتفاعل عبرها الانسان مع الارض، يشكلها وتشكله ليشكلا معا خصوصيتهما الوطنية والقومية، وحقهما التاريخي القومي. بصرف النظر عن الاعراق والاثنيات والاديان، التي كلما تعددت وتمازجت وذابت في المزيج الواحد، جعلت منه حالة حضارية ارقى واغنى.. رقيا وغنى يكمن ويطل من كل زاوية صغيرة في جداريات اسماعيل وتمام من السجل الضخم الرائع الذي يؤرخان فيه لفلسطين الحياة.. وتأريخ الحياة هو ابعد واصدق واهم من مجرد تأريخ الاحداث السياسية.

من هنا فان اهمية هذا الرد، هذا الصك، هذا السجل، انه يقدم نقيض ما يقدمه الادعاء العدو، ما لا يستطيع ان يقدمه الادعاء العدو.

فلو شاء اي فنان صهيوني ان يرسم فلسطين »اسرائيله« لما استطاع ان يرسم »سيرة« مع الارض »عشرة« معها، وللجأ الى رسم اساطير معلقة في الهواء وشتات او ما يسمونه هم »شتاتا« معلقا في الهواء.. لانه وبشذوذ غريب، يرفض الالتحام بالارض التي عاش عليها آلاف السنين، ويصر على التحام بارض، لم يعش عليها الا اغتصابا ومنذ سنوات لم يتعد اقدمها الخمسين.

هذا البعد الحقوقي، الذي لا يبني الحق في الوطن على الدين، ولا على العرق، وهما اساسان بات يرفضهما كل علم معاصر، ولا يستطيع اليهود ادعاء سواهما بل يبنيه على السيرة التاريخية الالفية التي يتبناها العلم، وتتبناها كل الدول والامم المتحضرة، هو ما يجب ان نعتمده نحن في مواجهتنا للصهيونية.

وهو ما يترجمه فنيا، وجماليا، بالخط واللون والواقعية البليغة، والتفاصيل النافذة، والحياة الضاجة بكل ما ضج فيها من روح والم وفرح، من دم وضحكات ودموع معرض هذين الفنانين الكبيرين، يترجمه باقتدار وتمكن فنيين عاليين، محققا شرط امتلاك الادوات، وتحقيق المستوى الابداعي بحد ذاته، الشرط الضروري لخدمة الفكرة وايصالها.

لجعل الشهادة القيمة، قيمة ايضا بمستواها الفني.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون