في بداية السبعينات تصاعدت في لبنان حدة الطروحات الطائفية الانعزالية وخرج بشير الجميل ليصرح لاحدى الصحف “نحن لسنا عربا”.
يومها رد عليه الراحل الكبير كمال جنبلاط في الصحف ايضا، ردا قاسيا ختمه بالتساؤل: »هل انتم اذن خزرج ام ارناؤوط؟«
كان ذلك ايذانا بخروج الجدل حول عروبة لبنان الى دائرة الصراع المسلح الذي استمر حوالي عشرين سنة، بدا في نهايتها ان الخط الانعزالي قد انتهى الى غير رجعة لنجده وقد عاد يطل برأسه عنيفا، وربما اكثر خطورة من المرة السابقة.
واذ نقول اكثر خطورة فلانه يأتي هذه المرة مقنعا مموها،، اي اكثر خبثا وذكاء.
واذا كانت الحجة في المرة الاولى هي الوجود الفلسطيني في لبنان فان الوجود السوري هو الحجة الجاهزة هذه المرة.
وكي نكون واقعيين اكثر فلا بد من الاعتراف بان الممارسات الخاطئة التي انتهجها الفلسطينيون هناك، دون ادارة تضبطها شكلت عاملا مساعدا اساسيا في اضعاف الموقف الشعبي الرافض للانعزال، فان هذا الوضع هو، هو هذه المرة بالنسبة للممارسات السورية، خاصة وان الوجودين لم يعدما في الحالين اطرافا لبنانية مشاركة في هذه الاساءة بحيث تتحول نتيحة تحالفها الى نتيجة عكسية اكثر اساءة من العداء وهذا ما عبر عنه بوعي وجرأة وصراحة الرئيس السوري الشاب بالقول ان ثمة اخطاء شابت العلاقة من الطرفين اللبناني والسوري.
وهنا يبرز السؤال الخطير: اذا كان تصريح الاسد هذا تعبيرا عن ادارة تصحيحية، وايذانا بالمباشرة في تحقيقها افلا يفترض ان هناك تحالفا طبيعيا تلقائيا يقوم ضدها بين الاطراف المستفيدة من هذه التجاوزات فائدة لا تلتقي الا في كونها فائدة وعنصر تخريب.
فثمة اطراف تستفيد اما عن فساد واما عن جهل وعقد، بشكل منظم وممنهج من هذا الوضع الخاطىء، سواء من حيث النفوذ السياسي، او من حيث الاستغلال الاقتصادي غير المشروع الممتد من التهريب والمخدرات الى الرشاوى والكوميسيونات، مرورا بشتى انواع الفساد التي يعرفها الجميع.
وثمة اطراف اخرى لا تدعي ابدا التحالف بل تجد في هذه السلوكيات الفاسدة مادة نموذجية لتغذية الاثارة والحقد وردات الفعل الغرائزية لدى الناس، معلقة كل التردي اللبناني الاداري والامني والاقتصادي على المشجب السوري وفي احسن الحالات على مشجب الدولة المدعومة من سوريا. ويساعد في ذلك ان ظروف الازمة الخانقة التي جاءت بعد ظروف الحرب الجهنمية وما رافقها من عزل طويل افقد الغالبية الساحقة من الناس القدرة على النظر الى الامور بطريقة تحليلية مركبة وعلى ادراك ما وراء ما يسوق لهم، وما يحك على جربهم، بحيث غاب صوت الوعي والعقل لتحل محله ردات الفعل الناجمة عن مجرد حساسيات فئوية طائفية معيشية عميقة الاصابة سطحية الادراك.
دون ان نجد في الاعلام والثقافة توجها للعمل على التوعية والتنوير بل -على العكس تماما- على ترسيخ الامراض، ومضاعفة الاثارة.
واخيرا ثمة اطراف ثالثة، اسرائيلية ودولية، تجد في هذا الوضع الخاطىء المتفجر منتهى مناها لتفعيله ، قنبلة موقوتة خطيرة تحت ابط لبنان وعلى خاصرة سوريا والانتفاضة الفلسطينية.
وليس ادل على ذلك من كشف ترتيبات التفجير بين اسرائيل واطراف لبنانية، ومن مسارعة الاطراف الغربية خاصة فرنسا والفاتيكان الى »الهلع على الحريات« في لبنان، حتى قبل ان تصدر نتائج المحاكمات.
في هذه الاجواء كلها نسمع خطابا غريبا عجيبا يجعل البعض يبني على بعض الاخطاء التي ارتكبت في فلسطين المحتلة، ليتساءل عن عروبة الدروز ويجعلنا نستذكر رد كمال جنبلاط على بشير الجميل.