على حدود جابر

سوريا، 06-08-2001

نقطة الحدود انيقة، نظيفة، تبشر بمعبر حضاري بين الاردن وسوريا، معبر لا تكتمل حضاريته الا بزواله، ولكن ما دام الواقع لا يستجيب للامنيات، فليكن الموجود افضل ما يمكن.

القاعة فسيحة، والمقاعد مؤمنة للمسافرين المنتظرين، والشبابيك مصنفة، اردنيين، عربا، اجانب وديبلوماسيين.

على الشباك المخصص للعرب كومة من البشر يتكدس بعضهم فوق بعض، يحجبون الرؤية والهواء بين الشرطي الجالس امامهم وبين مسافر مهذب لا يعرف ان يخوض معركة ليخترق الكتلة القميئة التي يشكلونها.

و.. رجل مسكين يتوكأ على عصَوَين، وسيدة واخرى تمسك بيمناها طفلة لطفيلة، يقفون حائرين.. كيف السبيل الى الوصول الى الشباك وتسليم الجواز لختمه؟

وصول يبدو مستحيلا اذ كلما خرج واحد من الكتلة المتراصة، هبط عليها واحد جديد او اكثر والتحم بها باقتحام فظ لا يمث الى عالم البشر والى شيء اسمه اللياقة الاجتماعية.

دقائق تطول، تبلغ ربع الساعة تلتها.. والمنتظرون الثلاثة يصبحون خمسة اذ تنضم اليهم سيدتان اخريان، واحدة تفقد اعصابها، تتقدم، ورغم مظهرها الذي يدل على اناقة ورقي، تصرخ بالكتلة المكومة امامها.

تصرخ بالموظف الذي امامهم:

يا اخي! لماذا لا تبعدهم، لماذا لا تأمر كل من يسلمك جوازه بالارتداد الى الوراء والانتظار ريثما تناديه باسمه؟

هل التكوم هكذا يجعلك تنجز اكثر؟ ترى لو كانت اختك تقف هنا، هل كان بامكانها ان »تطاحش« لتصل اليك؟

نفق ما ينفتح، في كتلة روائح العرق والعباءات البيضاء، او التي كانت بيضاء، والموظف – الشرطي المسكين يصرخ – بل يحاول ان يصرخ بدوره:

الا ترين يا اختي ان صوتي مبحوح، ظللت اصيح، حتى عجزت ولولا هذا الزجاج لأصبت ايضا بالاختناق او بالدوار.

ان كنت تعرفين طريقة.. ارجوك تفضلي وساعديني.

الطريقة، ان تمتنع عن تسليم الجواز لمن يقف امامك، وان تعطي الاولوية للجالسين على كراسي الانتظار.

الشرطي يهز رأسه في تعبير عن العجز والاستحالة، وانظر حولي افكر بطريقة عملية، تلزم هذه القطعان بالتزام الدور والصف.

السيدة الغاضبة تلتفت الي:

يا اختي انا لست اردنية، وقد رأيت في عمان كيف يلتزم الناس بالصف في الفرن وعند مواقف السرفيس، فلماذا لا توجد طريقة ما هنا؟

الطريقة.. على ادارة الحدود ايجادها.. ولكنني اذكر نقطة الحدود الاردنية في الرويشد حيث لا تتكرر هذه الحالة، واتساءل لماذا؟

الان هناك، في نقطة الرويشد حواجز معدنية لا تسمح الا بمرور الصف واحدا واحدا، وثمة عدد اكبر من المقاعد يملأ الصالة كلها ويتسع للجميع؟

ام لان الادارة اكثر تنظيما وحزما؟

الجواب عندها، ادارة الحدود اما انا فأفي بوعدي للمنتظرين معي بان اثير الموضوع.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون