المكان: فلسطين المحتلة
الزمان: اوائل التسعينات
المناسبة: احتفال وحدة »سار ايل« في الجيش الاسرائيلي بالذكرى العاشرة لتأسيسها.
الحضور: ثمانمئة شاب فرنسي يهودي من المتطوعين السابقين، الذين تحولوا الى جنود احتياط، جاءوا خصيصا لاحياء الاحتفال، بقمصانهم الكاكية، التي طرز بعضها بثلاثة احرف صفراء، تميز المتفوقين منهم.
نجم الحفل: المطرب الشاب فيليب داجو الذي كتب عنه احد الحضور.
»كانت اللحظة الاكثر تأثيرا في السهرة، بحضور الرئيس هرتزوغ، عندما انشد فيليب داجو اغنية »ارض اسرائيل« التي يصف فيها الانفعال الذي عاشه عندما كان جنديا في سار ايل، خلال حرب الخليج«.
لهؤلاء المئات، ولمئات وآلاف غيرهم موزعين على عواصم العالم، قرر الجيش الاسرائيلي ان يفتح مكاتب، تؤمن التحاقهم بوحداتهم في حال استدعاء الاحتياط احتشادا لاجتياح اسرائيلي لمناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وربما لمواجهة اشمل مع الدول العربية الاخرى.
لكن ما يستوقف المرء بعد الوهلة الاولى، ازاء هذا الخبر هو جملة من الاسئلة، وجملة من الملاحظات:
اولها: لماذا الاعلان عن هذا التدبير العسكري في وسائل الاعلام العامة؟
وثانيها: اهي المرة الاولى التي يستدعى فيها جنو الاحتياط من الدول الامريكية والاوروبية وربما من سواها؟
وثالثها: أهي حالة فريدة خاصة باليهود واسرائيل ام ان لها مثيلا بالنسبة لدول اخرى؟
وبالتالي اين يكمن اساسها القانوني الحقوقي؟
واخيرا، وذاك هو الاهم، اين يكمن تأثيرها الحقيقي علينا، وهل من تحرك مطلوب ازاء ذلك؟
الاجابة عن السؤال الذي صنف اولا لاهميته، تبدأ من السؤال الثاني، فكما ان داجو كان يحيي مشاركة وحدة الاحتياط هذه في حرب الخليج، فان وثائق كثيرة اخرى تشير الى مشاركات مماثلة في حرب لبنان، وسائر الحروب العربية الاسرائيلية.
من مثل اداء جاك كامسراني، قائد تاغار فرنسا، للخدمة العسكرية في عملية اجتياح لبنان، هو الذي كان يعيش موزعا بين عمله كقائد ميليشيا في فرنسا، وعمله كجندي في جيش الدفاع الاسرائيلي، وذلك بعد ان خلف موشي كوهين الذي كان ملازما في الجيش الاسرائيلي، ومن ثم قائدا للتاغار في فرنسا، حيث حمل لقب »شاليا« اي المرسل في مهمة، وسجلته المنظمة الصهيونية العالمية بهذه الصفة المدفوعة في سجلاتها، لتنقله بعد خمس سنوات من عمله في فرنسا الى مهمة منسق عام للبيتار في اوروبا.
او من مثل جوزيف مئير، احد الذين خلفوا مئير كاهانا في قيادة رابطة الدفاع اليهودية في الولايات المتحدة، بعد ان كان جنديا في الجيش الاسرائيلي.
ولا يتوقف الامر على الافراد، فكل فرق الميلشيات التي تتشكل في اوروبا وامريكا، تتلقى جزءا من تدريبها العسكري والايديولوجي في اسرائيل، وترتبط بها بشكل وثيق، يتحول اعضاؤها معه الى جنود احتياط، يستدعون كلما دعت اليهم الحاجة، او كلما كانت دورية خدمتهم تستدعي ذلك، دون ان يعلن عن ذلك اطلاقا.
اذن فللاعلان هذه المرة هدف آخر، سياسي بالدرجة الاولى وسيكولوجي، سياسي موجه لدول العالم، للعرب وللفلسطينيين: فللعالم تريد اسرائيل ان تقول انها في ازمة، وكأن جيشها العادي لم يعد يكفي امام الخطر الذي يهددها.. تريد ان تستعيد صورة الضحية المهددة المستغيثة التي طالما لعبت عليها وكسبت.
اما للدول العربية، فان التلويح باستدعاء الاحتياط، يعني التلويح بالحرب، مع ما يعنيه الوجه الآخر للعملة من مطلب الضغط على الفلسطينيين لانهاء انتفاضتهم، والقبول بالاملاءات الاسرائيلية.
واخيرا، الفلسطينيون ونوع من التهويل والتهويد والضغط المعنوي، يضاف الى الضغط المادي على الارض: عسكريا واقتصاديا وانسانيا.
يضاف الى ذلك كله عنصر ـ نتيجة وهو ان اشتراك الاحتياطي من جنسيات مختلفة يجعل دول هذه الجنسيات متورطة بشكل او بآخر في النزاع، ويفرض تعاطفا اكبر من قبل يهود العالم ودوله.
غير ان هذه الملاحظات، لا تدل الا على ازمة حقيقية تعيشها الدولة العبرية، على الصعيد السياسي، الدولي والاقليمي والداخلي، دون ان تستطيع مبالغتها في القمع والوحشية، ايجاد حل لها.
انها أزمة الجلاد، جلاد ضخم يكثر من الصياح واطلاق التهديدات، وانزال الضربات، دون ان يتمكن من اسكات الخصم الذي لا يمتلك الشرعية والحق فقط، وانما يمتلك بصبره وصلابته وقدرته على عدم الاستسلام، فضيحة الآخر، ومفتاح راحته.
لكن ذلك لا يمنع كونها ايضا ازمة لمن يده في النار.