هل يعني ان تكون موظفا في الامم المتحدة ان تصاب بانيميا الانتماء الى اي شيء آخر الا اليها؟
تجاربنا مع بعثات الامم المتحدة الى العراق والى جنوب لبنان قالت غير ذلك، فاليهودي ظل منتميا لاسرائيل حتى ولو لم يكن يحمل جنسيتها رسميا وعمل جاسوسا لها. والامريكي ظل منتميا للولايات المتحدة وعمل بالتنسيق مع اجهزتها، هذا بصرف النظر عن قضية تبعية المؤسسة الدولية كلها للولايات المتحدة.
ولكن بالامس، كنا نرى موظفا عربيا كبيرا في هذه المنظمة يتحدث على شاشة الجزيرة، وهو اشبه بأب يضع ابنه على مشرحة ويعمل المشرط في جسده باسم البحث العلمي وتطبيق نظريات الطب.
ففي الاتجاه المعاكس، كان الدكتور غسان العطية يتحدث عن العراق »وهو العراقي« وعن لبنان وفلسطين ببرودة المحايد، الذي لا يهمه الا الدفاع عن مؤسسة تعطيه منصبا وراتبا، ووضعا مستقلا عن العراق.
في هذا السياق كان العطية بارعا، كموظف يريد الدفاع عن ادارته، لكنه كان باردا كالثلج ازاء مصالح بلاده وامته، متعاميا كليا عن كل ما يقوله التاريخ والجغرافيا والمستقبل.
غير ان من اغرب ما قاله قضيتين:
الاولى احتجاجه على عدم ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ولعلها الغرابة بعينها ان نسمع عربيا يطالب بترسيخ الحدود، بتعميق جراح سايكس ـ بيكو في الوقت الذي يحلم فيه كل حر بالتئامها.
ولكن حتى في هذا الطرح نجده لا ينسجم مع نفسه عندما يصل الامر الى موضوع اللاجئين، حيث يتمسك محاوره ميخائيل عوض بحجة ذكية سياسيا اذ يقول: عندما يعود آخر لاجىء من لبنان الى فلسطين ننهي نحن ارتباطنا بالقضية الفلسطينية. واذا به يجيبه: ولكن في كل الدول العربية لاجئين فلسطينيين، هنا يبدو الجواب بسيطا حد البساطة، ومعقدا حد كونه يعني كل حل القضية: فاما اننا نوافق على سايكس بيكو، وبالتالي فان مكان الفلسطينيين بحسب هذه المعاهدة في فلسطين واما اننا نرفض سايكس بيكو كارادة اجنبية فرضت تجزئة بلادنا وبالتالي فنحن جميعا مسؤولون عن تحرير فلسطين.
الثانية انه راح يقرأ على المشاهدين كلاما يتعلمه اولادنا في الثالث المتوسط، يعدد المنظمات الملحقة بالامم المتحدة، وهنا كان لا بد من ان يوجه له السؤال التالي:
في العام ،1991 قدمت لجنة الحفاظ على التراث الانساني طلبا للتحقيق في سرقة اثار اور خلال العدوان الامريكي على العراق، ولكن الولايات المتحدة ربطت دفع مساهماتها في ميزانية اليونسكو بسحب هذا الطلب، وفعلا سحب الطلب، ولم يجر التحقيق وانتصرت الولايات المتحدة مرة اخرى على تاريخ العراق وحضارته، لا على »النظام الحاكم« فيه. لأن اور ـ على ما يظن ـ اقدم من صدام حسين، ومن المفترض ان تبقى بعده!
فلماذا لم يسأل هذا الاستاذ القانوني الكبير، عن رأيه في ذلك من وجهة نظر شرعة الامم المتحدة، ونظام اليونسكو.. والقانون الدولي.
والاهم عن موقفه هو كعراقي، يفترض انه يحمل في روحه وعروقه شيئا من اور..