الشباب وشارون

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 18-07-2001

لم يكن اولئك الذين حرروا جنوب لبنان الا من الشباب، وليس الذين ينفذون الانتفاضة الا من الشباب.

بديهية استشهد بها وزير الاعلام اللبناني في برنامج تلفزيوني حول محاكمة الشباب لشارون، التي يجريها تلفزيون المستقبل. الذي تحدث مديره العام عن آلاف الرسائل التي وردت من آلاف الشباب في مختلف اقطار العالم العربي، مساهمة في هذا الحدث الاعلامي. الذي لن يكون مجرد محاكمة آنية، للحاضر، وانما ساحة لاعادة تسليط الضوء على تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي وتاريخ الحركة الصهيونية.

والنقطة الاساسية الهامة التي اثيرت في هذا المجال، هي الدراسات المتعلقة بجيل الشباب العربي والتي تجريها الدوائر الغربية، خاصة الامريكية، والصهيونية، حيث تؤدي هذه الدراسات الى نقطتين:

الاولى ان مجتمعات العالم العربي، هي بشكل عام مجتمعات شابة، بمعنى ارتفاع نسبة الشباب والاطفال وتدني نسبة الاعمار الكبيرة.

والثانية ان هذه الاجيال الشابة والصغيرة، لم تعش الحروب العربية ـ الاسرائيلية من العشرينات وحتى اوائل السبعينات. كما انها لم تعش فترات المد القومي على اختلاف تياراته، والمد اليساري.

والنتيجة المترتبة على هاتين الملاحظتين هي ان العمل الذي توجهه هذه الدوائر، وبكثافة ساحقة نحو هذا الجيل هو تشجيع جميع الانشطة والتيارات والفعاليات التي تفصله اكثر فأكثر عن ماضيه، لا الماضي البعيد فقط، بل والقريب القريب، كما تفصله عن حقيقة واقعه بما فيه من تحديات حقيقية وقضايا اساسية جوهرية وجودية. فصلا احلاليا، لا يكتفي فقط بمسح الذاكرة الجمعية، ومسح الوعي، بل ويعمل بشكل ممنهج على احلال وعي مزيف بديل. يجعل الشاب او الفتى اشبه بتلك الطائرات الورقية التي تنقطع كليا عن الارض، وتدور في وهم التحليق، الى ان تهبط في اللاشيء.

في الوقت ذاته تدفع هذه الدوائر بهذه النماذج الشبابية الى واجهة العمل الاجتماعي والسياسي والثقافي والرياضي، بجميع الوسائل، فيما تشهده من الحملة المعلنة لما يسمى زورا »تشجيع الشباب« واعطاؤهم الافضلية في مجالات شتى.

ولكن ثمة سؤالين يطرحان هنا:

1 ـ اي شباب هم الذين يحصلون على هذا الدعم وهذا التشجيع؟

2 ـ الى اي مدى تسجل هذه الحملة التدميرية نجاحا في صفوف شبابنا؟

الجواب على السؤال الاول تقدمه طبيعة الانشطة والتوجهات، بل والاشخاص الذين يلقون الدعم. فهي جميعا تتسم بفقدان الذاكرة او بتشويهها، بفقدان الرابط القومي بالوطن، بقضاياه، بلغته، بعاداته وتقاليده »العميقة الايجابية لا تلك السطحية البالية«، بقيمه، كما تتسم ببريق جذاب يعرف مداخل سيكولوجية الشباب.

اما نوعية الاشخاص فقسمان: اما سطحي خفيف سهل الانقياد، واما ذكي لماح لكن في داخله مفاعل وصولي قوي.

ولا شك في ان تحديد ذلك كله يبنى على دراسات اجتماعية وسيكولوجية دقيقة، تأخذ بعين الاعتبار، اضافة الى المعطيات الواقعية للوضع العام والخاص، ذلك المشترك الانساني الحقيقي المتمثل في توق الشباب الى التغيير، الى التمرد، الى مواكبة العصر بثوراته العلمية والتكنولوجية، الى تحقيق الذات الفردية وبسرعة.. والى نقمة خاصة على ارث الفشل الوطني الذي تركته لهم اجيال الكبار.

ـ رغم ذلك كله، فان الاجابة على السؤال الثاني تقول لنا، ان جيل الشباب لا يقدم دليلا على نجاح حملات تدميره.

صحيح ان قطاعا واسعا فيه يستجيب لهذه المنزلقات السهلة، ولكن قطاعا اوسع ينظر الى الحياة والوطن والمجتمع بمنظاره الخاص الجديد »وهذا حقه« ولكن من زاوية صحيحة وحقيقية.

وربما كان يعرف كيف ينجح افضل مما عرفنا، ويعرف كيف ينخرط في العمل العام، السياسي والاجتماعي والثقافي، بفعالية، وعلى طريقته. فليس المطلوب منهم ان يكونوا صورة عنا، وهذا مخالف لطبيعة الحياة، ولا ان يبقوا على ما اخطأنا فيه.. لا ان يكونوا انبياء ولا اشرارا، بل ككل جيل، لهم حياتهم، اخطاؤهم ومنجزاتهم.

والمطلوب هنا ان نضع يدنا بيدهم لمقاومة مشروع التتفيه، ومسح الذاكرة، وفك الارتباط بالواقع الوطني.

وفي هذا السياق تأتي اعادة طرح تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ضرورة.. ضرورة.

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون