من عربيات الى السعداوي

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 10-07-2001

في المساء تسمع خطابا سياسيا عقلانيا هادئا، صلبا، يجعلك تقول: هذا هو الاسلام الذي نحتاجه في هذه الامة التي عرفت مراحل حضارية عديدة، كانت المرحلة الاسلامية فيها، والممتدة حتى الآن، هي الاطول والاخصب والاعز في اجزاء نهوضها، والمرة المتفككة في مراحل انهيارها وانحطاطها.

الخطاب التعددي، المؤمن بالحريات مع التزام قيم المجتمع ومصالحه، الذي يقدم الوحدة الوطنية والقومية على اية عوامل تفسيخ وفرقة، معطيا الاولوية لمواجهة المشروع الصهيوني المهدد بابتلاعنا كلنا، فلسطين كليا، والكيانات المحيطة بفلسطين هيمنة كاملة: اقتصادية وسياسية وثقافية.. وطبعا عسكرية، ثم المنطقة الشرق اوسطية كلها.

الخطاب الذي يتجه مباشرة الى الامور الخطيرة مسميا الاشياء والفئات والقضايا باسمائها. لتوضيح المطروح والموقف منه.. فيجعلك ـ حتى وان كنت تنطلق في بعض المواقف من منطلقات ايديولوجية ثابتة وواضحة ايضا، تخصك، تشعر بالقرب، بل بالوحدة في مناخ صحي ترتسم فيه الاهداف ذات الاولوية وتتحقق فيه مصلحة الامة وحق الوطن بالحرية والبقاء والارتقاء، وتؤمن لك الاجواء التي تعمل فيها وفق قناعتك باننا كلنا مسلمون بالله فمنا من اسلم بالقرآن ومن من اسلم بالانجيل، ومنا من اسلم بالحكمة، يوحدنا خط حضاري واضح المعالم، نسير فيه نحو مصير لا محالة في كونه واحدا، لنا ان نعمل العقل والجرأة، فنضمنه خيرا ونماءا، ولنا ان نعمل رواسب التخلف، وبذور الظلامية، ودروب التيه فنختلف، لا عن ادراك العصر والمستقبل فحسب، وانما عن ادراك راتب ماض لا يمكن استعادة عزه الا بالتطلع الى ان نكون لعصرنا ما كانه هو لعصره.

هكذا كان حديث الدكتور عبداللطيف عربيات مساء الاحد على شاشة الفضائية اللبنانية.

ولكن، لتصحو صباح الاثنين على خبر محاكمة الدكتورة نوال السعداوي في مصر.

واذ اسجل انني لم اكن يوما متفقة مع السعداوي في كل ما تطرحه، وفي مداخل ومخارج الانشطة التي تمارسها، فانه لا يمكن لمثقف، ولا لسياسي ان يقبل استمرار هذه المهزلة المتمثلة في محاكمات الكتاب، كلما شطح لسان واحدهم او قلمه، بعبارة تصلح لتصيد المتصيدين.

ثمة اساليب اخرى، حضارية ونقدية للاعتراض على اية قولة، لمناقشتها، لدحضها بل ولمهاجمتها، لكن لا لأساليب محاكم التفتيش. علما بان الامر هنا يطرح ملاحظتين:

ـ الاولى، هي ان السخرية المرة المتمثلة في هذا السلوك، انه وبعيدا عن وصوله الى ادانة الكاتب المعني او تهميشه، يحوله فجأة الى بطل وداعية تحرر، وشهيد قمع، في حين انه يكون الابعد عن ذلك كله، ويمنحه شهرة مطبقة، وتقيميا ابداعيا لا يستحقهما.

فكم من كاتب مغمور اصبح نجما، ومن كتاب غير ذي قيمة اصبح يتداول كالخبز، ويدور الحديث عنه كما لم يكن يحلم صاحبه، لمجرد ان طرفا متزمتا تنطح لرفع دعوى عليه او لمنعه؟

وكم من مبدع مهم اكتسب تعاطفا غفر له الكثير من ذنوبه لمجرد ان جاهلا ألبسه وجه الضحية؟

هذا اضافة الى ان المؤسسات الاجنبية »دولا وناشرين وسفارات وهيئات« ممن يهمها تشويه صورة العرب والمسلمين، بل والاسلام نفسه تجد في هذه التصرفات الشاذة فرصتها الذهبية، فتنبري الى دعم »الشهيد« والمتاجرة به ومعه.

وينضم اليها العديد من المؤسسات العربية المرتبطة بالاجنبي وبمعزوفته هذه.. هذا ان لم نقل بعض الحكومات او بعض من في الحكومات ايضا.

بحيث اصبحت هذه الملاحقة حلما لدى الكثيرين ممن يعرفون من اين تؤكل الكتف.

ـ اما الملاحظة الثانية فهي تساؤل ايضا، عما اذا كان اسلوب القمع هذا، والاستنجاد بالحكومات واجهزتها وقضائها ضد المثقفين آفة متغلغلة في الذات العربية، افلم نر قبل شهرين ثلة من الكتاب الذين يدعون جميعا العلمانية، ويبنون امجادهم على دعوى مقاومة المؤسسات والسلطة واجهزتها، يوجهون بيانا الى الحكومة اللبنانية يطالبونها بقمع مؤتمر دعي اليه في بيروت حول »الصهيونية والمراجعة«… لأن المايسترو اليهودي والغربي، المنافح عن حقوق الانسان طلب اليهم ذلك؟

كاذب هذا الغرب.. ولكن لماذا نقدم له الحجة؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون