لم يأتوا ثلاثا الى بيروت ودمشق خوفا على لبنان وسوريا.
لم يأتوا من القارتين المعنيتين، ومن طرف العراب الحقيقي، والعراب الشكلي، والثالث الباهت الحضور، لأن امن لبنان مهدد..
لا ولا ليمنعوا عن لبنان وسوريا امرا شبيها بما حصل عام ،82 حتى ولو ظهر ان جولة شارون الاخيرة تشبه زيارته لامريكا قبل الاجتياح الشهير، فلا هو حصل هذه المرة على الضوء الاخضر كما في حينها، ولا هو يعتبر ان لاسرائيل مصلحة في حرب اجتياحية كما ظن يومها، لانه لا يمكن ان ينسى التجربة الفاشلة التي شكلها ذلك الاجتياح، الذي لم ينته فعليا الا في العام الماضي بالانسحاب الذي شكل خاتمة الخسارة الاسرائيلية الاولى في قطر عربي، واذا كان قد بدا في حينها ان الاجتياح نجح في اخراج منظمة التحرير من بيروت، فان الايام برهنت ان ذلك الخروج، لم ينته الى وطن بديل كما يراهن خط شارون، وانما الى قلب فلسطين نفسها، ليفجر مواجهة لعلها الاصعب في تاريخ الصراع.
ما الذي يريده هؤلاء المبعوثون الذين هبوا الى بيروت فدمشق؟ ضبط النفس، باختصار..
افلا يبدو من المضحك المبكي ان يطلب الى العرب ضبط النفس، هم الذين تتهم شعوبهم حكوماتها بالتقاعس والتقصير، ازاء الانتفاضة؟
لكن هنا عقدة بيروت، وسرها. فالدعم الوحيد ـ حتى ولو كان معنويا سياسيا ـ الذي يقدم للانتفاضة هو دعم المقاومة اللبنانية، اذن فالمطلوب حجبه ومنعه. والذي يستطيع ذلك اثنان: الاول هو الحكم اللبناني الذي اذا وافق على ارسال الجيش الى الجنوب، واحالة قضية مزارع شبعا الى التفاوض السلحفائي، حقق هدفين: تأمين دور الشرطي الذي يكف يد المقاومة ويلجمها، وينهي دورها، وتسجيل قبول لبناني بفصل ولو جزئي للمسارين في التفاوض.
اما الطرف الثاني فهو سوريا نفسها التي تملك، بحسب هؤلاء، قدرة الضغط على الحكومة اللبنانية، وقدرة قطع الاوكسجين عن حزب الله.
ولعل اهم ما يؤكد هذا التحليل هو متابعة الحملة ضد زيارة بشار الاسد في فرنسا، حيث تضمنت الدعوة الى التظـاهر ضده ثلاثة بنود: تصريحاته اللاسامية، دعمه لحزب الله، وسياسته في لبنان.
وكذلك متابعة تصريحات الرئيس اللبناني ورئيس وزرائه، حول عدم جواز تقديم الامن على السلام.
اذن فهؤلاء القادمون ثلاثا انما جاءوا خوفا على ازعاج اسرائيل امنيا، في وقت تحتاج فيه للتفرغ للانتفاضة، وحرصا على عدم حصول اي تحرك من شأنه دعم هذه الاخيرة.
وهم بالطبع يحملون في يمناهم عصا التهديد بضربات انتقائية لسوريا، ومثلها للبنان بشكل تغذي فيه الفرقة في هذا الاخير، ويدعم منطق الذين لم ينضموا الى الاجماع على المقاومة الا مهزومين مرغمين، وها هم يعيثون الآن ضوضاء ضدها وضد سوريا.
كما يحملون في يسراهم جزرة الكلام والاصلاحات الاقتصادية والمساعدات التي لم يعد سرا ربطها بوقف المقاومة ونشر الجيش في الجنوب.
ولا تخرج عن هذا السياق في الترغيب والترهيب قضية شريط الفيديو الذي كانت تخزنه القوات الدولية لوقت الحاجة.
والحاجة الآن هي رأس الانتفاضة، ورأس كل مقاومة عربية، او كل دعم حقيقي لها، رأس روح المقاومة نفسها.