سواء قبلت السيدة حنان عشراوي ترشيح الاستاذ عمرو موسى لها كناطقة رسمية باسم الجامعة العربية ام لا، فان الترشيح بحد ذاته يسجل للامين العام الجديد فهو تكريم لفلسطين هو اقل ما تستحقه، وهو تكريم للمرأة العربية في سياق تستحقه، وهو عمل يصب في صميم احياء الجامعة العربية ومؤسساتها وادائها.
لكنه ايضا ذو دلالة ابعد من هذا، فهو بصياغة ما تعامل مع دولة فلسطين، وترسيخ لوجودها كدولة داخل مؤسسات الجامعة وامام العالم.
وهو من جهة ثانية تقديم وجه هذه الدولة للعالم بصورة حضارية لا يملك احد الا وان يقر بها وينحني لها، ففلسطين ليست فقط الشعب المظلوم، المشرد في المخيمات، او الاسير داخل اراضيه، بل هي ايضا، وتحت هذه الظروف كلها، المنجم الذي يسخو باستمرار بعطاياه البشرية الفذه في الثقافة والسياسة والعلم وجميع مجالات الحضارة.. في نسائه كما في رجاله.. هذا ما يقوله وجه حنان عشراوي للعالم.
وفلسطين هي كذلك لانها مركز من المراكز الحضارية الالفية، في امة تتجاوز الفياتها الفنية عمر الوجود اليهودي كله على وجه الانسانية، وبآلاف عمر المرور اليهودي السريع على هذه الارض.
وبآلاف اكبر عمر حضارات ذاك الغرب المتعالي باعتلائه المرحلة الحضارية الحالية في عمر الانسانية.. والذي يضع جهوده وامواله في خدمة البحث عن مظاهر تخلف في واقعنا المعاصر، مظاهر يتوجها دائما بوضع المرأة الذي يصر على كونه مترديا.
وفي هذا السياق، يشكل ترشيح الدكتورة عشراوي، لا ردا على الغرب فحسب، بل درس لكل المتشدقات التائهات من نسائنا، الباحثات عن الوصول عبر ركوب موجة اللطم على اوضاع المرأة، او الانكفاء في حظائر الانشطة والفعاليات النسوية، واشدها غرابة تلك التي تقام – وبتمويل اجنبي – للروائيات، للفنانات، واخيرا للاعلاميات العربية.
لهؤلاء يقول حضور السيدة عشراوي ان الذي يحمل امرأة الى موقع يشرفها ويشرف بلادها، ونساء بلادها، هو الانخراط في قضية عامة، تخص الناس، كل الناس، على اختلاف اجناسهم وطوائفهم وانتماءاتهم، الناس، ناسها.. الذين تمثل قضاياهم.
وفي هذا السياق، تأخذ من تؤهلها كفاءتها، كما من تؤهله كفاءته، الموقع المناسب في التمثيل المهني والوطني والقومي، وحتى الدولي.
اما ناقصات الموهبة، وناقصات الجدية، واما الباحثات عن تمثيل تيارات تهم القوى الخارجية العاملة على تفتيت القضية الاجتماعية الى شذرات قضايا، ينفخ بالون كل منها كي يغطي على القضية العامة، ويفتتها، ويقيم حالة من التبعية الخطرة لمركز متبوع خطير.. فلهن ابتكار، او تنفيذ ابتكارات ما يتقاضين عنه ثمنا.
فيما يتجاوز هذا البعد نعود الى الطرح السياسي العام، الذي جاء في سياقه اختيار الامين العام لشخص عشراوي لنسجل ايجابية اخرى وهي ان كونها مسيحية بالولادة الى جانب امين عام مصري، يشكل ردا جميلا على اسافين الفرقة، والشقاق التي تحاول القوى الحاقدة ان تدقها في مصر، خاصة، وفي سواها من العالم العربي بشكل عام، رد يأتي من الباب الفلسطيني، ليقول للعالم، ان هذا الوجه المتسامح في تعدديته، الموحدة، وهو ما وجه قوميتنا التي لا تقوم على اسس عنصرية احادية، يقوم عليها بامتياز ادعاء عدونا بانه يمثل شعبا وقومية، في حين انه لا يمثل في الواقع الا دينا غريبا في عنصريته وتعاليه.
نتمنى ان تقبل عشراوي، لان في دورها هذا اكثر من رسالة مهمة توصلها الى العالم.