التجزئة.. الاقليمية المريضة.. ما لا يمكننا ان نعالج أياً من مشاكلنا بدون التعرض له..
ما تساعد القوى المعادية باستشراس على تكريسه في اذهاننا وواقع حياتنا كل لحظة.. لكنها عندما تضع خططها لنا تتعامل معنا ستراتيجيا كوحدة، وتبني تكتيكاتها على استغلال ما زرعته وكرسته.
في باريس كان اللبنانيون، بل بعضهم يتظاهر جنباً الى جنب مع اليهود، بل مع بعضهم، وهنا الخزي، لأن اليهود المتظاهرين ضد زيارة الأسد هم يهود جاك كوبفير، صاحب شعار: »الموت للعرب«. كل العرب، وهنري هاجدنبرغ تلميذ مئير كاهانا الذي كان يقول ان العرب فيروسات ان لم نقتلها قتلتنا، ويهود الليكرا التي كانت ضغوطها عاملا حاسما وراء دخول فرنسا التحالف الدولي ضد العراق.
ومعهم مسيحيو جان ماري لوستيجييه، اليهودي البولوني الذي دخل الكتلة شاباً ليصبح اسقف باريس، ويعمل على تهويد الكتلة بحجة اصلاحها.
الى جانب هؤلاء كان مسيحيو ميشال عون يتظاهرون ضد سوريا.
وفي لبنان، كان اللبنانيون، بل بعضهم، اولئك الذين سجلوا خيارهم القومي بدمائهم يواجهون اسرائيل الى جانب سوريا.
من قال ان الحرب اللبنانية قد انتهت؟ بل هي تأخذ أشكالا اخرى، وتعبيرات اخرى عن المضمون نفسه.
فعندما تضرب اسرائيل راداراً سورياً، فان ما تحسبه انها تسجل نقصا لبند من بنود القوة القومية المواجهة، تماما كما تفعل عندما تضرب الفلسطينيين أو عندما يوجه حلفاؤها ضربة للعراق.
حتى المحللون السياسيون الغربيون واليهود، حتى المخططون والباحثون عندما يكتبون او يتحدثون عن هذه المنطقة فككل واحد، لكنهم يعرفون كيف يفيدون من شروخ التجزئة القائمة.
هذه التجزئة التي لولاها لما كان هذا الجدل العبثي حول مزارع شبعا: اهي لبنانية ام سورية؟ وبناء عليه هل يحق للمقاومة اللبنانية الدفاع عنها ام لا؟
انه جدل قائم اساسا على ذات العقلية التي قامت عليها مظاهرات باريس، والتيار الذي تمثله في لبنان.
جدل تتجلى عبثيته عندما يضطر اللبنانيون في الدولة والمقاومة ان يقولوا انهم يمتلكون خرائط فرنسية تثبت موقفهم.
اية خرائط؟
اوليست هي تلك التي لم ترسمها الطبيعة، لا ولا التاريخ ولا ارادة الشعوب، وانما رسمها مشرط سايكس – بيكو، لتنفيذ وعد بلفور؟
ولان عدم التئام الجرح يظل شرطاً لاستمرار تحقق الوعد، لا الوعد الإلهي المزعوم، بل ووعد الآلهة الخارجة من نار ودم الحرب العالمية الاولى، والمثبتة على عروشها في نهاية الحرب الثانية.
ولان الأمم المتحدة هي سلطة الدول المنتصرة في هذه الحرب.
ولان الحرب العالمية الثالثة في الخليج العربي توجت على رأس هذه السلطة الامبراطور الاميركي.
فان كوفي عنان، الحاكم برضى سيده، سيقف الموقف الذي نعرفه من قضية جنوب لبنان، وجنوب سوريا.
وسيتجه ضغط الجميع الى فرض نشر الجيش اللبناني على الحدود لا ليحمي لبنان، وانما ليحمي اسرائيل ومستوطناتها الشمالية، ولاخراج المقاومة نهائيا من حلبة الصراع القومي.
المعركة اذن هي في عمقها، معركة الموقف القومي، مع المنطق التجزيئي الفئوي الاقليمي، المتجسد طائفيا. وهو الصراع ذاته الذي فجر لبنان مرارا وتكرارا منذ عام 1943 وحتى الآن مرورا بالمحطات الكبرى 49 – 53 – 58 – 75 – 82 – 96 الخ…
واذا كان البعض يعتبر ان خطأ سوريا يكمن في انها لم تحسن ادارة صورة وجودها في لبنان، كي لا يكون مؤقتا. فان خطأها الاكبر يكمن في انها لم تسمح خلال الحرب بحسم الموقف لصالح القوى القومية، واختارت اقامة توازن لا يجوز اقراره بين خيارين احدهما انعزالي متحالف مع اسرائيل.