ربما تكون المرة الاولى التي يخرج فيها الى النور التناقض العميق الخفي بين مصالح دولة اوروبية ممثلة بحكومتها وشعبها ومصالح اسرائيل ممثلة باللوبي اليهودي في الدولة ذاتها..
المرة الاولى التي يقف فيها اناس يحملون الجنسية الفرنسية، لا مع مصالح فرنسا، بل ومع مصالح دولة اخرى، لانهم وببساطة يهود صهاينة.
واذا كان هولاء يحملون جنسيتين او ما يسمى بالجنسية المزدوجة، فها هم يثبتون في الاعلام، في المحافل السياسية، في الدوائر المظلمة، ما كللوه امس في بلدية باريس، ان ولاءهم ليس مقسوما نصفين كما هويتهم، بل هو ولاء كامل لما يسمونه »دولة الشعب اليهودي« مؤكدين ما قاله يوما حاخام فرنسا من اذاعة اسرائيل: »تأكدوا انه كلما قال يهودي نحن او دولتنا، او حكومتنا، فانما يعني دولة اسرائيل«.
صحيح ان هذا الولاء لم يكن ينتظر زيارة الرئيس السوري، فقد سبق وصرح احد قادة الطائفة في فرنسا في الثمانينات قائلا: »ان موقفنا من اي مرشح انتخابي برلماني او رئاسي يتحدد بناء على موقفه من اسرائيل، ومن يخطىء في هذه لا يمكن ان يصيب في سواها«.
كما سبق ان شكا المسؤولون الفرنسيون انفسهم من هذا الموقف كما رأينا في آخر كتاب اصدره امين سر فرانسوا ميتران عن آخر اعترافات هذا الاخير، وما ورد فيه بخصوص اللوبي اليهودي وارتباطه غير المشروط باسرائيل.
لم يكن العارفون بحاجة الى الازمة المفتعلة حول تصريحات الاسد ليعرفوا ان سيرج كلارسفيلد وهنري هاجدنبرغ يقدمون اسرائيل والصهيونية على فرنسا، وليعرفوا ان تنظيمات من مثل العصبة الدولية ضد العرقية واللاسامية »الليكرا« والمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية »كريف« واتحاد الطلاب اليهود، ومعها اسقف باريس جان ماري لوستيجييه، ان هي الا مندوبيات انتداب صهيوني في عاصمة الحرية والعدالة والمساواة، التي عرفت الاحتلال والمقاومة والتحرير في ابلغ صورها، امام عدو لم يجعله كذلك الا نظرية عنصرية تبيح له احتلال اراضي الغير بالقوة العسكرية عنصرية اكد منظروها انفسهم انها اشتقت مفاهيمها من العنصرية اليهودية. لكن الزيارة اخرجت هذا التناقض الى دائرة العموم والوضوح.
لقد ذهب الاسد باسم سوريا كلها، فهل كان في بلدية باريس ضيفا على فرنسا كلها، ام فقط على من يقدمون فرنسا على الصهيونية.
الم يكن الاحرى بهؤلاء المحتجين ان يتحركوا لاعادة التسعة وتسعين نصابا يهوديا الذين سرقوا ملايين الفرنكات وهربوا بها ـ بفضل الجواز المزدوج ـ الى اسرائيل، قبل اشهر؟ افلا يفرض عليهم المنصب السياسي امانة الحفاظ على المال القومي؟
واضح ان ما يثير هذه الحملة كلها ليس مجرد تصريح او تصريحين، بل هو خط سياسي شامل، ابلغ دليل عليه نص النداء الذي وجهته المنظمات على الانترنت وعلى موقع صحيفة لوموند، يوم 25/6/2001 للمشاركة في المظاهرة الاحتجاجية ضد الزيارة الرئاسية السورية، حيث جاء فيه:
»انتم يا من ساءتكم تصريحات ومواقف الرئيس السوري اللاسامية، يا من ساءكم دعم سوريا المكثف لحزب الله اللبناني، يا من ساءتكم مساهمة وسائل الاعلام السورية في بث طروحات المؤرخين المراجعين، تعالوا للمشاركة في التظاهرة التي ستقام في الساعة السادسة من مساء 26/6 في ساحة الشهداء اليهود«.
اذن هي ثلاثة:
ـ اللاسامية
ـ دعم حزب الله
ـ طروحات المؤرخين المراجعين
والسؤال الاهم: هل اضعفت السياسة السورية الزيارة، ام اعطتها عمقا وهالة اكبر؟
والجواب: ان لم تكن قد انجزت الا ايضاح التباين بين الفرنسيين الفرنسيين والفرنسيين الاسرائيليين.
هكذا تحقق السياسات الجريئة اختراقاتها، وتثبت انه ليس بالنفاق وتبني منطق العدو واكاذيبه وتهويلاته تحقق مواجهته.
اذ ان الرهان في النهاية هو على المصالح، وللآخرين لدينا منها اكثر مما لديهم لنا.