تعقيبا على الزميلة ليلى الاطرش

ثقافة، فنون، فكر ومجتمع، 21-06-2001

اعرفها من بعيد، زميلة جادة مبدعة، في الاعلام المرئي والمكتوب، وفي المجال الروائي. وافهم جيدا نقمتها على امور كثيرة تخص المرأة في الاعلام، منتجا ومنتجا »بكسر التاء وفتحها« (اسم فاعل واسم مفعول).

لكنني لا افهم ان تنصب هذه النقمة كلها على »الرجل« وكأن الرجل نمط موحد مسحوب على آلة التصوير الناسخة.

افهم ايضا رفضها لمؤتمرات الفنادق والقاعات المكيفة، وما يدور فيها من »خطب ودراسات نظرية مغالية في استخدام المصطلحات والتضخيم والتغريب« بحسب تعبيرها، الذي اؤيدها فيه تماما، لكنني آخذ عليها عدم المضي ابعد من هذا للوصول الى بحث ما يمثله هذا الاتجاه السائد، سواء على صعيد تجزئة وتسطيح القضية الاجتماعية، ام على صعيد الارتباط بمؤسسات التمويل الاجنبي.

فعلى المستوى الاول، لا افهم انا الاعلامية منذ ربع قرن، لماذا تحتاج الاعلاميات العربيات الى مؤتمرات منفصلة، اهي رياضة اصحاب الاحتياجات الخاصة، وما فيها من قبول ضمني بالعجز، والنقص ازاء الزميل الرجل؟ ام هي حديقة الحيوانات التي تدر على منسقها للعرض ارباحا خاصة؟

المشاكل والقضايا المتعلقة بالاعلاميين تخص الجسم الاعلامي كله، واذا كان ثمة تفصيلات تخص الاعلامية المرأة »على صعيد القوانين مثلا« فلماذا يتم طرحها في لقاءات نسوية، لا في الساحات النقابية والجدلية الاعلامية العامة؟

اما المطالبة برفع الصوت، فهي مطالبة العاجز ايضا »بما فيها من طابع نسوي تقليدي« لان المطلوب هو تثبيت الاقدام، واثبات الكفاءة، ورفع مستوى المنتج المقدم، وعندها يأخذ العامل موقعه، رجلا كان ام امرأة.

فكما ان هناك زملاء كفوئين وزملاء اقل ثم اقل كفاءة، كذاك هو الحال بين الزميلات.

وكما ان هناك رجلا واعيا ورجلا متخلفا كذلك هناك امرأة واعية وامرأة متخلفة، واذا كان التخلف انواعا فان اسوأه ذاك الذي يخطىء فهم التحرر والوعي فيقدم النموذج السيىء الذي تشكو منه السيدة ليلى، كما نشكو منه جميعا، ولكن لا يا عزيزتي، ليس الرجل هو المسؤول عن تقديم اعلامية على السرير، وانما هي المسؤولة عن قبول هذه الصورة »التي تفرح بها كثيرا، واكثر مما تفخرين انتِ بوضعك« واذا ما مضينا ابعد فان السياق الاجتماعي والسياسي العام هو المسؤول عن هذا الموج المتدفق من التقنية، والابتذال. كذاك هو الامر بالنسبة للدراما او الاعلان او البرامج التي تمتهن كرامة المرأة، كما تقولين.

ولا اوافقك ابدا في ان »الرجل« يحول دون ممارسة المرأة الاعلامية لقدراتها ومنافستها له، او تقديم البرامج الجادة، بل اقول لك بصراحة، ان ناقصات الموهبة، والمقصرات عن تحصيل الكفاءات عجزا او كسلا هن اللواتي يجدن ان اسهل السبل هو البكاء والصراخ والقاء المسؤولية على عاتق حائط مبكى مجرد هو الرجل.

ها انتِ تكتبين ابداعا فنحتفي بك، وتهاجرين الى بلد شقيق فيوكل اليك ببرنامج تلفزيوني جاد، وتعودين الى الدستور فتمنحين موقعا مميزا في زواياها، يكتب فيه افضل كتابنا »الرجل«!!

هل من اعلامي اردني واحد يتنكر لقدرات سهير التل، او سميحة خريس او فريال زمخشري او فيكتوريا عميش، او ريما عازر على سبيل المثال.. ومن اعاقهن او وقف في طريقهن هن او من تماثلهن كفاءة؟

فهل تريدين مثلا تعيين رئيسة تحرير لا تتقن صياغة خبر لمجرد انها امرأة؟

انظر حولي ببساطة مطلقة، واجد جميع العاملات في صحيفتنا وقد اخذت كل منهن الموقع الذي تستحقه، ولا اجد ادنى تمييز الا ضد من لا تملك او لا يملك كفاءة العمل، واجد ان الزملاء والمسؤولين »الرجل« يقدمون تعاملا طبيعيا عاديا مع من رسخت، وتشجيعا طيبا لمن تشق دربها.

انظر بعيدا وارى امينة شفيق تحتل منصب امين عام اتحاد الصحفيين العرب لاربع دورات، وارى رئيسات تحرير ونقيبات ونائبات نقيب في اكثر من بلد عربي، اجد امرأة على الصفحة الاولى للنهار ونساء جادات في اكثر من فضائية ومحطة.

تقولين لي ان العدد قليل، وهذا شيء طبيعي، اذ منذ كم من السنوات نزلت المرأة هذا المجال مقارنة بالرجل.

اما عن المؤتمرات، فهي يا سيدتي ليست الا دكاكين، لا يهدف منظموها الا على تحصيل موقع عجزوا عن تحصيله مهنيا، وتحصيل ارباح مادية، بجعل نون النسوة دائرة مغلقة لا تنفتح الا على نقطة التمويل الاجنبي، الذي لا نفهم لماذا تنفطر قلوب مؤسساته على »الاعلاميات العربيات« ولا تتحرك ازاء نساء فلسطين او العراق مثلا..

فهل من ساذج يقول بتمويل بدون ثمن، وهل من جاهل يتعامى عن ان مؤسسات التمويل الاجنبي ان هي الا آليات فاعلة ضمن خطة دقيقة مدروسة، يعيد بها هذا الغرب انتاج استعماره لنا، بأسلوب جديد اشبه بالسوس الذي ينخر كل البنى ليصيبنا بهشاشة العظام وليحل وعيا مزيفا خطرا محل امكانية الوعي الحقيقي، وكل ذلك بتكلفة اقل كثيرا من تكلفة الجيوش واسلحتها وبفعالية اطول مدى واقل استدعاء للنقمة، لانها تتم بأدوات محلية، تعمل لحسابه على اجتذاب عناصر الشباب بشكل خاص، لانها ما تزال اقل خبرة، وفي واقعنا اقل تسييسا، ومن جهة اخرى اطول فعالية للمستقبل.

هل كانت شيرين ابو عاقلة، او ليلى عودة ومثيلاتهن بحاجة الى مؤتمر؟ واية حقوق تلك التي تناضلن لاجلها؟

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون