إسمها بالأحرف الأولى: ليكرا L.I.C.R.A أي الرابطة الدولية ضد العرقية واللاسامية، وهو اسم قد لا يعني شيئاً للقارىء العادي، قد يعني شيئاً انسانياً لبعض الذين يدعون العلم، وينساقون في الخديعة، وأخيراً، قد ينتبه له الذين يعرفون جيداً ما تعنيه كلمة اللاسامية في الغرب، من سيف ارهاب فكري مسلط على كل من يحاول أن يتصدى للهيمنة الصهيونية، ولسطوة اللوبي اليهودي، بل لمن يجرؤ على ألا يقبل شاكراً حامداً بأن يركع خافضاً الرأس والبصر، أمام إرادة هذه اللوبيات وابتزازها، وعملها الخفي والمعلن على امتصاص دماء الشعوب لصبها في شرايين اسرائيل، وعلى تهويد كل شيء من الدين الى الثقافة الى الاقتصاد الى السياسة.
وإذا كان سيف اللاسامية هذا، يكتسب مضاءه من اللعب على ذاكرة الغرب وعدائه لليهود، خاصة ذاكرة الحرب العالمية الثانية وسندها الآري »الحامي« ومجريات مجازرها التي أسدل الستار عليها وعلى الخمسين مليون بشري الذين حصدتهم، ليركز فقط على من كان منهم يهودياً، فإن إشهار هذا السيف بوجه العرب، الذين هم أساس السامية، بل هم الساميون الأكيدون، يصبح من باب التراجيكوميديا.
تراجيكوميديا تلعبها الليكرا في وجه الرئيس السوري، وكأنها آخر الجد الخطير.
لكن ما يدخل في باب التراجيكوميديا أيضاً هو جهل بعض الدوائر السياسية والاعلامية العربية، بطبيعة التركيبة، بمعنى المسميات، بخريطة المؤسسات الصهيونية، مما يجعلها تساهم متطوعة في تنفيذ مخططات الإعلام الصهيوني، (إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، أو كنت تدري فالمصيبة أعظم).
من ذلك ما حملته بعض وسائل الإعلام، نقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية من أن الليكرا، تنوي إقامة دعوى بحق الرئيس بشار الأسد التهة اللاسامية!
فأية »موضوعية« بلهاء أن ينقل خبر كهذا دون أي توضيح للقارىء، عمن تكون الليكرا، وعن مجريات الحملة التي تدور منذ شهرين بشكل محموم مسعور في هذا الاتجاه، رغم انها تدور في وسائل الاعلام، التي تصلنا بسهولة.
فالليكرا أولاً هي الموازي الفرنسي للايباك الأميركي، أي التنظيم المؤسسي للوبي اليهودي الصهيوني، مع فارق بسيط هو أن الايباك أكثر وضوحاً، ومعترف به رسمياً من قبل الكونغرس كقائم على العلاقات الأميركية – الاسرائيلية، وذاك ما أشار اليه جورج بوش في حملته الانتخابية عندما خطب في الايباك قائلاً: »أنتم تعبرون بمباشرة وصراحة وهذا مريح لاسرائيل والولايات المتحدة« ولا تختلف الليكرا عنه في حرصها على هذه المصالح، وترتيبها لها، وإخضاعها فرنسا لمقتضياتها. في سعي تتكاتف فيه مع جمعيات أخرى من مثل »جمعية أولاد وبنات المعتقلين« برئاسة سيرج كلارسفيلد، المعروف بتطرفه، وحزب حيروت (ليكود فرنسا) بقيادة جاك كوبغير، الذي عنون تصريحاته، في بداية الانتفاضة بشعار »الموت للعرب!« وغيرها من المؤسسات والمنظمات والميليشيات التي تلتقي كلها في المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية الفرنسية، ويرأسه حالياً هنري هاجدنبرغ.
الطريف هنا أن جميع الأسماء القيادية التي ذكرنا تنتمي الى أقصى اليمين الكاهاني، ولا يكفي ذلك ومعه الشعار المذكور الذي يطلب الموت للعرب بصفتهم عرباً: أي عرقاً سامياً، لا يكفي لاتهام مطلقيه بالعرقية واللاسامية، وتطال التهمة رئيساً عربياً سامياً لمجرد أنه أشار الى وقائع تاريخية بحتة: تشابه الصهيونية والنازية، وتآمر اليهود على الرسول، وتخريبهم للأديان.
الحملة لم تبدأ من دعوى الليكرا وخبر وكالة الصحافة الفرنسية، وإنما بدأت بتصريحات انطلقت من اسرائيل، وتبعها إطلاق صفارة الهجوم من قبل أسقف باريس، اليهودي البولوني، جان ماري لوستيجييه، واستجابة بعض الإعلاميين الفرنسيين، لتصل الى نشر منظمة أولاد وبنات المعتقلين بياناً طويلاً (وبالبنط الأسود المميز) مدفوع النشر، في صحيفة لوموند (قمنا في حينها بترجمته ونشره، والتعليق عليه، كما على سائر المقالات المشابهة)، هذا البيان يتهم الرئيس الأسد باللاسامية، ويحتج على زيارته لباريس.
وها هو الآن دور الليكرا.
إنه إذن توزيع أدوار بين أطراف اللوبي اليهودي، يهدف أولاً الى تخريب العلاقات السورية – الفرنسية عبر تخريب الزيارة، ويهدف ثانياً الى تلقين درس تهديدي قاسٍ لكل من يتجرأ على الحديث عن أمور تقع في جوهر الصهيونية. ويهدف ثالثاً الى الضغط ضد نهج تبناه الرئيس الشاب، في توجهاته القومية والمحلية، وقال عنه باراك انه يلامس الخطوط الحمراء…
أن تساهم وكالة الصحافة الفرنسية في ذلك، فذاك يعود اليها، ولسنا بمسؤولين لا عن الاعلام الفرنسي، ولا عن مصالح فرنسا.
ولكن أن تساهم وسائل إعلام عربية فيه، بشكل ببغائي فذاك ما لا يقتصر على طرح مشكلة التعامل مع مصدر الخبر الأجنبي، وانما يمتد أيضاً الى مشكلة وعي الإعلام لدوره.