ادرينالين الغضب

المسألة الفلسطينية والصهيونية، 12-06-2001

الشكوى من الالفاظ الفضفاضة، ومن مطاطية الكلمات، هي نفسها الشكوى من تقلص الكلمات وضيق الالفاظ عن المدلول الذي يصبح عاريا، موجودا بالقوة وغائبا بالفعل.

فعندما يجعل العجز الكلمة لا تعني ذاتها، يصبح ما زاد او ما نقص سيان.

يوما كانت الارض المحتلة، تعني جزءا سقط عام ،1948 وتمدد المصطلح ليعني مساحات اخرى، شاسعة من فلسطين وسوريا ومصر ولبنان، تمدد مرة اخرى ليشمل قطاعا اكبر من لبنان.. وارسيت احلالية احلت اسرائيل مكان المصطلح الاول، و»المناطق« محل الثاني.. تقلص عن القنيطرة وسيناء، وقلص بالقوة عن جنوب لبنان..

وظل الجوهر فلسطين التي يصرون على تسميتها يهودا والسامرة، ونسميها الضفة الغربية وغزة.. ظل هذا الجوهر يستسقي الدماء ولا بخل، يستدعي المعاناة، ويتوفر الصبر.. واذ تصل لعبة عض الاصابع حد اطلاق »اسرائيل« ومستوطنيها صرخة الوجع، يسارع المربي الامريكي الى تلبية الصرخة..

ويتمسك الغرقى بخشبة ميتشل، فاذا الصهاينة لا يريدون منها الا الجزء الصالح عصا لقمع الانتفاضة، بل ويمضون في الوقاحة حد الاصرار على نشر الجزء الباقي قضبان سجن لنشطائها الابطال.

تقبل السلطة الفلسطينية بما هو اقل من الدولة »ولو مرحليا«، فلا يرضى لها »بضم الياء« الا بدور شرطي لحماية اسرائيل.

مستوطنوها اللصوص الكاهانيون، جنودها المجرمون، بل وشبابها الذين لا يجوز الاعتداء على »حقهم« في الحياة المرفهة الرغيدة، ولو في ملهى ليلي يرقصون فيه على اشلائنا، ويشربون في كؤوسه دماءنا.

ابرياء!

وهل الاطفال الفلسطينيون خضعوا في ارحام امهاتهم لاستئصال البراءة؟

ابرياء!..

وهل فيهم واحد فقط، ليس مجندا عسكريا، ولا يلبي نداء الاحتياط؟

من يدري الا يكون بينهم، في اجازة، منتش بقتل الطفلة ايمان او احد الاطفال الذين حدقوا بنا باتهام مرعب في قاعة دارة الفنون؟

وتوقفت الامور..

وراحت الاذاعات تتحدث عن الانسحاب.. فاذا هذا المصطلح قطعة قماش من النوع الذي ينكمش في الماء..

كان الانسحاب يوما يعني الاراضي التي احتلت عام ،48 ونسيناه تماما عندما اصبح الانسحاب يعني ما احتل عام ،1967 وفي مراحل ما تقلص الى حجم مستوطنات سرطنت جلد البلاد، وها هو اليوم، يحدد في وسائل الاعلام بانه الانسحاب من المناطق التي احتلت خلال الانتفاضة.

مضحك مطلب الانسحاب الجديد، بقدر ما هو مؤلم مطلب دور الشرطي، بقدر ما هو مذل دور جورج تينيت.. هذا الدور الذي يشكل سابقة لم يعرفها تاريخ الديبلوماسية والسياسة، على الاقل في علنيتها، وفي مستوى الطرف المقابل في اللقاءات.

خلال الانتفاضة سألت احدى الاذاعات طبيبا نفسيا عن رأيه في الشجاعة المذهلة التي يبديها الاطفال الفلسطينيون فتحدث عن ارتفاع الادرينالين في مواجهة الخطر..

ثمة ادرينالين آخر لم يتحدث عنه الطبيب، هو ادرينالين الكراهية والغضب، الذي تحقن به تطورات كهذه شرايين الجميع، من الاطفال الى الشيوخ.. الى الذين لم يولدوا بعد..

د.حياة الحويك عطية

إعلاميّة، كاتبة، باحثة، وأستاذة، بين الأردن ومختلف الدول العربية وبعض الأوروبية. خبيرة في جيوبوليتيك الإتصال الجماهيري، أستاذة جامعيّة وباحثة.

مواضيع مشابهة

تصنيفات

اقتصاد سياسي الربيع العربي السياسة العربية الأوروبية الشرق الأوسط العراق اللوبيهات المسألة الفلسطينية والصهيونية الميادين الهولوكوست ثقافة، فنون، فكر ومجتمع حوار الحضارات رحلات سوريا شؤون دولية شؤون عربية شخصيات صحيفة الخليج صحيفة الدستور صحيفة السبيل صحيفة الشروق صحيفة العرب اليوم في الإرهاب في الإعلام في رحيلهم كتب لبنان ليبيا مصر مطلبيات مقاومة التطبيع ميسلون