منذ فترة طويلة، وعلى الاخص منذ بداية الانتفاضة، واصوات عديدة من الاعلاميين والسياسيين، بل والمواطنين العاديين تنادي بضرورة انشاء فضائية عربية ناطقة باللغات الاجنبية، او على آلاقل برامج على الفضائيات القائمة تنطق باللغات الهامة وتوجه الى القطاعات الناطقة بكل منها: الانكليزية، الفرنسية، الاسبانية، الالمانية والروسية وسواها.. علما بان هذه اللغات هي لغة اليهود المهاجرين الى فلسطين من المناطق المذكورة.
ولا شك في ان الخطاب المطلوب الى كل من هذه الشعوب من جهة والى يهود اسرائيل من جهة اخرى هو خطاب مختلف في كل حالة، وحسب المخاطب مما لا يلغي الحاجة ايضا الى بث ناطق بالعبرية موجه خصيصا الى الاراضي المحتلة، لا ليقوم بوظيفة التوضيح والاقناع وانما ليشكل بندا من بنود الحرب النفسية التي لا تقل اهميتها عن اي مجال آخر في المعركة.
ولكن يبدو ان المسؤول الوحيد الذي سمع هذه النداءات الملحة، هو شيمون بيريز، الذي اعلن عن قرب اطلاق فضائية اسرائيلية ناطقة باللغة العربية.
هنا لا يصعب تخيل السيناريو القادم: حرب نفسية مدروسة بدقة وعمق توجه الى الجمهور العربي، بحيث ننشغل نحن في احسن الحالات بالر… هكذا كما نحن دائما ردة الفعل لا الفعل. ومعروف ان الضربة في الاعلام لمن سبق، وان ازالة تأثير نفسي سلبي، وتشويش فكري وثقافي، يستغرق في الوقت والجهد اكثر مما يستغرقه ارساء التأثير الايجابي البديل، والتركيز الفكري الصحيح.
قد يقول البعض ان فكرة بيريز هي غير فكرة توجه الفضائيات العربية الى الغرب، اجل فالمنظمات الصهيونية واللوبيهات اليهودية المسيطرة على وسائل الاعلام هناك، تقوم بالدور المطلوب على افضل ما يرام، ولذلك فان ما يبقى على اسرآئيل هنا هو الاهتمام بامرنا نحن.
وقد يقول البعض الآخر ان العديد من اذاعاتنا وتلفزيوناتنا تعمل على الخطين: قناة اجنبية، وبث بالعبرية.
لكن شتان ما بين الببغاء والشاعر.. فالقنوات الاجنبية في جميع الدول العربية هي ثمرة »تعاون!!« بين الدولة العربية المعنية، والدولة الاجنبية المعنية، اي اننا نبث لهم لجاليتهم، للناطقين بلغتهم عندنا، ما يرسلونه هم لنا.. ما يريدون هم توصيله. اما الاعلاميون العاملون في هذه اللغات فيرسلون للتعلم عندهم »على نفقتهم!« ويتشكلون ثقافيا واعلاميا بحيث يصبح منتهى المنى عندهم، الحصول على رضى السيد »الباهر في تفوقه الحضاري« والذي يمنحنا القرب منه شهادة تحضر وثقافة.
اما الذين يشذون عن هذه التبعية ـ وجميع من جرب يعرف ـ فانهم يجابهون بحرب، ومعاناة لا يتخلف زملاؤهم المختلفون عن المشاركة فيها.
اذن: القنوات التلفزيونية الاذاعية الاجنبية ليست صوتنا، ولو حملت نشرتها الاخبارية اخبارنا، وليست وسيلتنا للتأثير في الآخر، وانما العكس، هي جزء من التمهيد الثقافي الاعلامي للتسلل الاقتصادي والسياسي، اشبه بابرة »التحضير« التي تعطى للمريض قبل العمليات الجراحية.
اما بعض البرامج العبرية، فتقتصر على نقل الصحف العبرية: اي المساهمة في حربهم النفسية، لان التعامل مع اعلام عدو، لا يكفيه اطلاقا معرفة لغة العدو، فهذا عمل مترجم عادي، وانما يحتاج الى خبراء في فهم سيكولوجية العدو، خلفياته، خططه، استراتيجياته وتكتيكاته، خريطته في كل المجالات، ومدارسه واساليبه الاعلامية، للتوصل الى وضع الاسس والخطط واساليب التوجه.. ولكن قبل كل ذلك خبراء في الوقوف على ارض صلبة تماما فيما يخصنا نحن: ثوابتنا، اهدافنا، استراتيجيتنا وتكتيكاتنا، انه عمل سياسي بامتياز، سيكولوجي بامتياز ومهني تقني بامتياز.
عمل يتقنه جيدا شيمون بيريز وفريقه.. يتقنه جيدا خبراء اللوبي اليهودي في الخارج، ولا ننسى اطلاقا صرخة هذا الرجل الداهية في معاريف قبل اشهر: »لقد خسرنا المعركة هذه المرة لاننا خسرنا الاعلام« وانطلاقه بعدها في هجوم مضاد بدأه باوروبا، وها هو ينتقل الى الساحة العربية.
فاين اصحاب القرار عندنا؟