صيد التركيع

اللوبيهات، 27-05-2001

قبل اسابيع نشرنا في (الدستور) عرضا للكتاب عن اعترافات ميتران الاخيرة لامين سره وفيها تركيز مستفيض عن ضيق جنوني بسطوة اللوبي اليهودي، واحساس الرئيس بان هذا اللوبي يضطهده رغم كل الخدمات التي قدمها هو ليهود فرنسا ولاسرائيل. والسبب واحد وبسيط: رفض ميتران الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية عن حكومة فيشي ازاء اليهود. ميتران يصيح يريدون لفرنسا ان تركع وهذا ما ارفضه ويصيح تحديدا من شخصية محددة هي سيرج كلاو سفيلد المحامي الذي يرأس جمعية تسمي نفسها (اولاد الذاكرة) او (اولاد المعتقلين اليهود) كما يلقب نفسه بصياد النازيين في حين يمارس في الواقع (صيد التركيع) كما مع ميتران.

هذه الجمعية وبتوقيع رئيسها هي التي نشرت في صحيفة لوموند عدد 20 ايار الحالي بيانا مطولا بعنوان (لا لزيارة الاسد) تدعو فيه (حكومات ورؤساء الدول الديمقراطية) لمقاطعة الرئيس السوري وتقارن زيارته لباريس بزيارة وزير خارجية هتلر عام 1938.

لماذا؟ لان الرئيس (تجرأ – كما يقول البيان – وقال امام البابا ان اسرائيل واليهود يريدون تدمير مبادئ جميع الديانات بذات الطريقة التي خانوا بها السيد المسيح وحاولوا قتل الرسول محمد .

بعد الملاحظة الاولى – البارزة – وهي اللهجة التحريضية الخبيثة، التي تستنفر كل سلبية كامنة في ذاكرة العلاقات السورية الفرنسية وكل عقدة قائمة في ذاكرة المتلقي الفرنسي من الحساسية ازاء النازية، الى اتهام سوريا بايواء ضابط نازي الى حادثة ارجاء الرئيس حافظ الاسد احتجاجا ليزارة مقررة لوزير الخارجية الفرنسي رولان دوما عام 1991 الى مقتل السفير الفرنسي في لبنان الخ..

بعد ذلك تأتي الملاحظة الثانية وهي ان البيان تجنب التصريح الحقيقي الذي اثار جنون اللوبي اليهودي والصهاينة وهو تركيز الرئيس على مقارنة الصهيونية بالنازية (لا التصريح امام البابا عن تدمير الاديان) وذلك :

اولا – الحرص على عدم اثارة هذا الموضوع الخطير امام المتلقي الغربي كي لا ينتبه اليه من لم ينتبه ولا يتمسك به المنتبهون المكممون.

ثانيا – ان هذا التصريح لا يحمل كلمة (اليهود) بل يقتصر على (الصهيونية) ولذلك فهو لا يؤسس في المنطق الغربي لتهمة اللاسامية (حتى ولو كان من المضحك اتهام العرب باللاسامية).

ثالثا – امكانية استغلال هذا التصريح المذكور، لاستثارة اوساط الفاتيكان او للضغط عليها، وذلك للالتفاف على مكتسبات سوريا والعرب من الزيارة البابوية، واسلوب تنظيم سوريا لها.

واستبدال ذلك يجعلها مناسبة لتركيز تهويد المسيحية الغربية وهذا ما يؤكده اسراع اسقف باريس (جان ماري لوستيجيه) واسمه الحقيقي (موشيه) لانه يهودي بولوني تنصر وقد قارب العشرين وخاض بعد ان اصبح اسقفا لباريس معارك علنية طاحنة مع اسقف فرنسا لتهويد الكثلكة (وهذا ما سنعود اليه في مقال اخر) قلت اسراعه لاطلاق تصريحات غاضبة حاقدة من اذاعة اوروبا الاولى ضد الرئيس الاسد مدعيا ان البابا غضب منها (وقد علق الزميل جورج حداد على ذلك بتفصيل في زاويته).

وكأنما كان تصريح لوستيجيه وهو المعروف بنفوذه الاعلامي وبيان كلارسفيلد اشارة انطلاق لعدد من كتاب الصحف لشن حملة متناغمة بل وببغائية في تكرار تعليقاتها وامتثالها.

رابعا – خطورة طرح علاقة الصهيونية بالنازية تشابها وتاريخا في ظرف الانتفاضة الحالية وما يمكن ان يتركه ذلك من تأثير على الرأي العام الغربي.

خامسا – ان الهدف هو بدون شك الغاء الزيارة او الاحتجاج عليها بحدة تجعل حصولها من جهة اقل نجاحا ومن جهة اخرى اساسا لمطالبة يهودية تعويضية.

يبقى: ان اول ما تثيره هذه التداعيات هو غباء منطق البعض القائل بان اثارة الامور المتعلقة بتاريخ الصهيونية خاصة ما تعلق منه بالحرب العالمية الثانية هو امر مر عليه الزمن.

او بان التركيز يجب ان يقتصر على الانتفاضة وكأن الانتفاضة ولدت من فراغ تاريخي وفراغ ايديولوجي.

اما التداعي الثاني فهو ان الرئيس السوري لمس (اليد التي توجع) فتعالى الصراخ والسؤال ذو شقين:

1 – لمصلحة من رفع القبضة وصرف النظر عن هذا الاسلوب؟

2 – او ليست مصالح فرنسا واوروبا لدى سوريا والعرب اكثر الحاحا من مصالحنا عندها. اذن.. فالرهان على وقوف الاعلام والشارع والسياسيين وراء شجاعة القيادة كي تتمكن من خوض اللعبة.