لهذا الجزء من الوطن، الممتد من ميشع الى اليرموك ان يحتفل بعيد وطني..
لكن لكل اعيادنا الوطنية، طعم اشبه بطعم انتصار يترك في الحلق رمادا.
اذ لم يكن رحيل الاجنبي الممتد من التركي الى الاوروبي، الا ذلك الانتقال المر من استعمار اول اخذنا جملة، الى استعمار ثان ورثنا عن المريض العجوز ليشرح جسدنا ويتقاسمنا اشلاء.. ليتركنا حين يضطر الى تركنا، مرضى تجزئة وضحية اغتصاب.
والان اذ تأتي اعياد الرحيل من ذلك المسمى جلاء الى هذا المسمى تعريبا، ملاحقة لاستمرار التجزئة ودخول الاغتصاب مرحلة المذبحة، فانما تأتي لتحفزنا على منح المسميات مضمون اسمائها، وذلك بمنح الجلاء المعنى الحقيقي المتمثل ليس فقط في جلاء البسطار الفرنسي، بل وفي جلاء ارادة فرنسا التي مثلها مشرط جورج بيكو، وارساء الارادة الوطنية الشعبية المتطلعة الى صلاح الدين، ومنح التعريب معناه الاوضح المتمرد على مارك سايكس، استجابة لنداء ابن الوليد.
لسنا قوميين رومانسيين عندما نتوق الى هذا الجلاء وهذا التعريب، ولاننا كذلك نعرف ان انجاز هذا الانتطار الكبير على تجزئة تبصم عليها القوى القوية في هذا العالم، ليس امرا سهلا يتحقق بجرة قلم، خاصة وان التربية السياسية قد كرستها طوال قرن من الزمن. لكننا ندرك اولا ان كل هذا التكريس المحكم لم ينجح في استئصال الحس القومي من نفوس غالبية الناس، وندرك ان التصدي لعملية الاغتصاب والمجزرة التي تتم في فلسطين وتهددنا جميعا، لا يمكن ان تتم، على المدى البعيد المستمر الا بالتوجه الى شكل ما من اشكال الاتحاد.
شكل، تجعلنا الواقعية نقبل بالبدء في تحقيقه انطلاقا من الحد الادنى الممكن، بل والضروري الملح، اذا ما اردنا لوجودنا الانساني والحضاري ان يستمر.
من الاقتصاد، من التضامن والتنسيق، من موقف موحد من الثوابت والمصالح، من رؤية موحدة للثقافة والتربية من اي ساحة واي مجال.
واذا كان العصر، عصر التكتلات الكبرى في مجال الاقتصاد، وعصر استعمال هذا المجال مفتاحا لتشكل وحدات ما، فان المؤتمر الاقتصادي الذي من المتوقع ان يعقد في مصر، قد يشكل بداية.
لكن ذلك يظل مشروطا بأمرين:
اولهما، ان الاقتصاد وحده لا يؤدي لاكثر من سوق، اذا لم يترافق بوفاق سياسي، تؤسس له الثقافة.
والثاني، وهو ما تؤكده لنا التجربة الاوروبية، انه لا بد من اكتمال الحلقات الاولى، للوصول الى الحلقة الاكبر، مما يترجم بتعزيز حلقة مجلس التعاون الخليجي، الاتحاد المغاربي، وقبلها حلقة الهلال الخصيب، ودول الطوق.